بين مماطلةِ حكومية واضحة, وإصرار من المعلمين على تأسيس أو إعادة تأسيس نقابة لهم بعد مضي حوالي خمسة وعشرين عاما على إلغائها, وبين تذرع حكومي بعدم دستورية إنشاء نقابة للمعلمين تارة, أو إنشاء أجسام بديلة قد تثني أو تسكت المعلمين عن مطالبهم العادلة بإنشاء نقابة لهم تارة أخرى- نادي المعلمين- لا زالت فكرة تأسيس نقابة للمعلمين تراوح في مكانها منذ فترة طويلة.
الحجج والذرائع الحكومية بعدم دستورية إنشاء نقابة للمعلمين تبدو حججاً واهية أمام وجود أكثر من ثلاث عشرة نقابة تمثل أغلب المهن الموجودة في الأردن. فهناك نقابة للمحامين وأطباء الأسنان والصيادلة, لا بل إن هناك نقابات لكثير من المهن التي لا يصل عدد أعضائها ربما إلى عشر عدد المعلمين, كنقابة أصحاب المخابز, ونقابة أصحاب المطاعم والحلويات ونقابة أصحاب الشاحنات ونقابة أصحاب الصالونات.
إذن ما الذي يجعل الحكومة تخاف من فكرة إنشاء نقابة للمعلمين؟ وما الأسباب الحقيقية التي تجعل الحكومة تغلق نادي المعلمين قبل أيام قليلة في وجه المعلمين الذين تداعوا إلى اجتماع فيه, من اجل مناقشة فكرة إنشاء نقابة لأصحاب أكبر مهنة في الأردن, ومن أجل مطالبة الحكومة في التسريع في إنشائها أو إعادة إنشائها وتفعيلها؟
التفنيدات الحكومية أو التبريرات لعدم إنشاء نقابة للمعلمين, وخاصة تلك المتعلقة بعدم دستورية إنشاء نقابة للمعلمين كما أسلفت, تسقط أمام وجود عدد كبير من النقابات لمختلف المهن, ما عدا المعلمين. فلو كانت المسالة دستورية قانونية, فينبغي على الحكومة حل جميع النقابات الأردنية القائمة لعدم دستوريتها, على أن لا يغيب عنا أن هناك آراء لخبراء قانونيين ودستوريين تبين دستورية إنشاء النقابة وعدم مخالفتها لأي نص دستوري أو قانوني أو تعارضها معه.
قد تستطيع الحكومة أن تغلق أبواب نوادي المعلمين- التي أسستها لإسكات المعلمين ولتظهر وتعمل كبديل عن نقابة المعلمين- لفترة معينة من الزمن ولكن إرادة المعلمين أصلب وأقوى من أن تنكسر أمام تعنت الحكومة وأمام الأعذار الواهية التي تسوقها لإقناع الناس بعدم دستورية إنشاء نقابة للمعلمين.
الحكومة مطالبة بأن تساعد المعلمين على إنشاء نقابة تحمل هموم المهنة الأهم والأخطر, وتأخذ على عاتقها الارتقاء بمهنة التعليم وصون حقوق المعلمين وتحسين أوضاعهم المهنية والمعيشية, والأخذ بيد التعليم نحو الأفضل من أجل خدمة الوطن والمواطن, وتعمل يداً بيد مع المعلمين, أو أن تقدم الحكومة أسبابا مقنعة– إن كان لديها- حول ممانعتها إنشاء نقابة للمعلمين, بعيداً عن الأسباب الواهنة التي أشرنا إليها سابقاً, خاصة وأن التعليم في بلدنا الحبيب يمر بمأزق خطير, ويتراجع بشكل لافت مقلق. حفظ الله الأردن, وحفظ قيادته الهاشمية ذخراً وسنداً, وحفظها من كل مكروه.