** منذ حوالي عقدين من الزمن (تفشّت) فينا الشائعات , حتى أنّها أصبحت جزءا من حياتنا اليوميّة , وربما تحوّلت في الآونة الأخيرة من(ظاهرة) مقلقة إلى (تقليد) خطير لدى الذين باتوا يجيدون صناعتها , أو الذين (أدمنوا) على (تقليبها) وتقبّلها من وقت لآخر عبر العديد من الوسائل التي تتسابق في إطلاقها ,أو إعادة (تدويرها) من جديد .
وللشائعات عندنا ألوان وعناوين , وثمّة متخصّصون يتقنون إنتاجها و(توليفها) , فمنهم من (يتكسّب) من ورائها دون أن ينفق على صناعتها شيئاً , ومنهم من (يتصيّد) بها للآخرين , وينفق على صناعتها وتطييرها اموالا كثيرة , إلا أنّ هناك صنفا آخر يتاجر بالشائعات على إعتبار أنّها (سلعة) تتفاوت اسعارها من مصدر إلى مصدر , أو من موسم لآخر .
وبكل صراحة ... فإنّ جميع الذين يتعاملون بتجارة (الشائعات) ومهما كانت اهدافهم أو تعدّدت (تياراتهم) أو مسمّياتهم أو أشكالهم , هم كذّابون ومنافقون وفاسدون يسيئون للوطن , وهم أكثر (إجراما) من أولئك الذين يروّجون للسموم والمخدرات ويعبثون بصحة الأردنييّن وحياتهم ... لأنّهم (يتآمرون) على وطن بأكمله ... يحرّفون الحقائق , و(يتحايلون) على الأردنيين , ويغرقونهم بالأكاذيب والتضليل و(الأوثان) التي ينصبونها في طرقات (الموجوعين) ... ويتلاعبون في عقولنا حتى بات فينا الواحد لا يميّز بين العتمة والنّهار , ولا يفرّق بين (النظيف) و(المتعفّن) ... يطمسون أو يزوّرون أحيانا تاريخا برمّته , ويستبدلون واحدا بآخر ... (يرجمون) البريء و(يصفّقون) للمجرم والمنافق .
والغريب في الأمر ... أنّ ( نسّاجي) الشائعات أو الإشاعات – حسب الغرض من الزيادة في الفعل – يحوّلون بيوتهم بعد منتصف الليل إلى (صالونات) أو معامل لصناعة (التلفيق) , فيما (يتذبذب) عمّالهم أو (خفافيشهم) ويتنقّلون من زاوية إلى أخرى ... يتسلّلون إلى (منابر) النّاس لنشر وإطلاق (منتوجاتهم) التي سرعان ما تتفشّى كإنتشار النّار في الهشيم .
أمّا أولئك الّذين حوّلوا الوطن إلى (حواكير) لهم , ونهبوا خيراته وعبثوا بمقدراته , ثمّ (هربوا) لممارسة صيد العاريات على شواطىء اوروبا , وعقد أو إبرام (الصفقات) الخياليّة مع المافيات والعصابات خارج الوطن , ... يتفنّنون في إطلاق الشائعات عبر وكلاء لهم (هنا) وهناك , ويوهمون الأردنيين بأنّهم (يخفون) في جيوبهم أسرارا وحكايات مثلما كانوا يتظاهرون ذات يوم بأنّهم أكثر وفاء ووطنيّة من غيرهم ... أو أكثر إلتصاقا بالوطن ... ولكن (الشمس) لا تغطّى بغربال بعدما تتجلّى الحقائق ليظلّوا فيما تبقّى من أعمارهم أو ترصّد في (منهوباتهم) منبوذين خارج حدود الوطن الذي أساءوا إليه .
... وهنا أخرجت الشائعات أثقالها , وتجذّرت في حياتنا أوهامها ... حتى أخذ هذا الطرف يرشق ذاك ... يتبادلون العناوين والإتهامات ... ولكن كم هي (مأساة) أن يظلّ شعب تحت رحمة المفاجئات أو تحت قصف الشائعات والتوقّعات وتناحر المتناقضين في زمن أصبح فيه التخلّي عن المواقع بمختلف أنواعها مسألة حياة أو موت .
ولكي أكون (منصفا) فإنّني أتهم الحكومات بالتقصير والمساهمة في (إنتعاش) الشائعات من خلال تغييب الحقائق وحجبها عن الرأي العام , وإغلاق قنوات (التبرير) , وتكميم الأفواه , وتعتيم (الممرّات) !! .