أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الأمم المتحدة: إسرائيل تعرقل وصول طواقمنا للمحاصرين في شمال قطاع غزة بدء سريان وقف إطلاق النار في لبنان .. هل حدثت خروقات؟ البطاينة يستقيل رسميا من حزب إرادة يزن النعيمات يخرج مصابًا من مباراة العربي والاتفاق الحكومة: المستشفى الافتراضي يرى النور في 2025 الحكومة: الأردني يمتلك فرصة تاريخية للانخراط بالحياة السياسية تصويت: من سيكون أفضل لاعب بتصفيات كأس آسيا 2025 في كرة السلة للفلسطنيين .. عباس يصدر إعلانا دستوريا مهما وزير الصحة : المستشفى الافتراضي سيربط بين 5 مستشفيات طرفية الجامعة والبرلمان العربي يرحبان بوقف إطلاق النار في لبنان إيران: نحتفظ بحق الرد على إسرائيل وزير إسرائيلي: أمامنا الكثير لنفعله في غزة انجاز أردني رمثاوي لمرضى القلب وأول عالم عربي على مستوى العالم لإنقاذ مرضى التليف - القلبي "الطيران المدني" تُقيّم إعادة تشغيل الطائرات الأردنية إلى مطار بيروت المياه: مشروع الناقل الوطني بمرحلة مفاوضات مع المناقص فليقرأ العرب ما كتبته هآرتس الملك يعود إلى أرض الوطن الملك يهنئ بعيد استقلال موريتانيا نقابة الذهب تحذر من عروض الجمعة البيضاء منح ومقاعد للأردنيين في الجامعات الإماراتية قريبًا
الصفحة الرئيسية أردنيات مقبرة مأمن الله في القدس تؤوي رفات أكثر من 70...

مقبرة مأمن الله في القدس تؤوي رفات أكثر من 70 ألف صحابي وشهيد وعالم

08-03-2010 10:36 PM

زاد الاردن الاخباري -

الكتابة عن تاريخ القدس أو جزء منها, بمثابة حديث عن مسيرة البشرية وحضارتها, فالقدس مدينة عظيمة لا لموقعها الجغرافي أو لطيب هوائها أو لعذوبة مياهها, وإنما لعظمة قدسية المدينة في نفوس بني البشر, فهي وإن قسا عليها الزمن سابقاً وحاضراً, فإنه لا يدوم فيها ظالم ولا يعمّر فيها جائر, فهي مدينة السلام, يشع نور قدسيتها في أرجاء الكون معيداً ذكرى أنبياء طيبوا ثراها وشهداء سالت دماؤهم فوق روابيها, وعلماء نشروا العلم في جميع أركان أزقتها ومساجدها.

وجاءت معجزة الإسراء والمعراج, لتؤكد إسلامية أرض بيت المقدس وانه, سيكون لها شأن عظيم, في تاريخ هذا الدين, ومسيرة هذه الأمة. وهكذا كان. فمنذ ان فتحها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب, رضي الله عنه, عاشت في كثير من عصورها أيام مجد وعز في ظل دولة المسلمين, فما من والٍ أو حاكم إلاّ وكانت القدس كالقلب للجسد بالنسبة له, كرموا وأعزوا أهلها, وشادوا بيوت العلم في جميع أركانها.

وتدور عجلة الزمان ويتكالب الباطل على المدينة المقدسة, من كل حدب وصوب, فمنذ ان وقعت القدس تحت الاحتلال الصهيوني تعيش حالة عصيبة, فالاحتلال يعمل جاهدا على طمس كل أثر إسلامي في المدينة المقدسة, بشتى الوسائل والطرق, وكانت وحشية الاحتلال أن امتدت يده الغاشمة إلى قبور المسلمين حقدا وصلافة, تكاد تفوق كل التصورات, فكانت الاعتداءات المتكررة على المقبرة الشهيرة في بيت المقدس ألا وهي مقبرة  مأمن الله  المقبرة والأرض الوقفية التي تقع في ظاهر بيت المقدس من جهة الغرب, تضم بين أحضانها المباركة, رفات بعض صحابة رسول الله, وشهداء هذه الأمة الذين طيبّوا ثراها, بدمائهم دفاعا عن قدسيتها وإسلاميتها, وعلماء أضاءوا بعلمهم مشارق الدنيا ومغاربها, فالمقبرة وما تحويه من علماء هذه الأمة, جزء من تاريخ أمتنا عبر العصور, من زمن الفاروق عمر رضي الله عنه, مرورا بشهداء الفتح الصلاحي, وحتى آخر شهيد دفن فيها دفاعاً عن قدسيتها وإسلاميتها.

امين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله كنعان يقول, ان المقبرة التي يسميها البعض ماملا , بمعنى ماء من الله أو بركة من الله, تقع غربي مدينة القدس القديمة وعلى بعد كيلومترين من باب الخليل, وتعد من أكبر المقابر الإسلامية, في بيت المقدس وتقدر مساحتها  بمئتي دونم  بينما قدرها المهندسون بتاريخ 16/4/1929 بنحو 137 دونما ونصف الدونم, علما أنه استثنى منها بناية الأوقاف التي كانت مبنية على جزء من ارض وقفها, ومقبرة الجبالية التي كانت على القندرية, والتي يفصلها عن المقبرة الشارع. وعندما سجلت المقبرة في سجلات دائرة الأراضي, الطابو بتاريخ 22/3/1938 سجلت مساحتها (134.560) دونم واستصدر بها وثيقة تسجيل أراضي  كوشان طابو  ضمن أراضي الوقف الإسلامي.

عمقها في التاريخ

واشار أن المقبرة أقدم مقابر القدس عهدا وأوسعها حجما, وأكثرها شهرة وساير تاريخها تاريخ المدينة, وذكر معه مرارا, ففي هذا المكان مسح سليمان ملكا - 1015ق.م, وفيه عسكر  سنحاريب  ملك الآشوريين عندما هبط القدس, 710 ق.م, وفيه ألقى الفرس بجثث القتلى من سكان المدينة عندما احتلوّها عام 614م, ودفن عدد كبير من الصحابة والمجاهدين أثناء الفتح الإسلامي عام 636م, وعسكر فيها صلاح الدين يوم جاء ليسترد القدس من الصليبيين, 1187م.

وتحتضن المقبرة في جنباتها رفات الصحابة أمثال عبادة بن صامت , وعددا كبيرا من الصحابة والتابعين. وعندما احتل الصليبيون القدس وارتكبوا فيها مجزرة بشعة حيث قدر عدد الشهداء فيها من الرجال والنساء والأطفال ب¯ِ 70 الف شهيد.

واضاف أمر الصليبيون المسلمين الذين بقوا على قيد الحياة بدفن الشهداء في المقبرة, ووجدوا فيها مقابر وأنفاقا, فوضعوا جماجم الشهداء فيها, وقيل ان نفقا لا يزال تحت الأرض في الوسط الغربي من المقبرة كله مليء بالجماجم وأن قطره نحو خمسة أمتار, وله امتداد أكثر من مئة متر. وعندما حرر السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله, القدس من يد الصليبيين أمر بدفن من استشهدوا في المعارك مع الصليبيين في المقبرة نفسها.

واضاف كنعان ان الدفن توالى في المقبرة بعدئذ فضمت قبور مئات العلماء والفقهاء والأدباء والأعيان والحكام من المدينة. وكثير من العلماء كانوا يحملون من القاهرة كي يدفنوا فيها, وتؤوي إلمقبرة رفات أكثر من سبعين ألفا بين صحابي وشهيد وعالم وزاهد منهم, الأمير عيسى بن محمد العكاري الشافعي وهو أحد كبار مستشاري السلطان صلاح الدين الأيوبي وقد توفي رحمه الله - عام 585 ه¯ بمن¯زله في الخروبة قرب عكا وحمل الى القدس الشريف ودفن فيها, والشيخ شهاب الدين ابو العباس 684ه¯ 728ه¯  هو أحمد بن الشيخ محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي الشافعي, الفقيه والنحوي, وأحمد بن محمد حامد بن أحمد الأنصاري المقدسي الشافعي, حفظ القرآن الكريم, واشتغل بالتحصيل والسماع, وعرض عليه قضاء القدس, فأبى وكان صالحا زاهدا ناسكا, قانعا بالقليل, وتوفي عام 854 ه¯.

كما دفن فيها قاضي القضاة شيخ الإسلام محمد بن جمال الدين بن سعد بن أبي بكر بن الديري العبسي الحنفي ولد في حردا بالقرب من مدينة نابلس بحدود عام 750ه¯ وسكن بيت المقدس, وصار من أعيان العلماء, وكان فقيها ومدرسا, ولاه الملك المؤيد قضاء الديار المصرية, ثم صرف عن القضاء باختياره, واعتذر بعلو سنه, وكان يتأسف على فراق بيت المقدس لكونه في مصر حيث كان يقول: سكنته أكثر من خمسين سنة ثم أموت في غيره ولكن في عام 827 ه¯ قدم الى القدس لتمضية شهر رمضان فيها وزيارة أهله, وبينما هو يهم في الرجوع الى مصر وبعد أن أخذ يودع القدس وأهلها, فإذا بالموت يدركه فيتوفى رحمه الله في القدس كما أحب, ودفن في المقبرة.

محطات من التاريخ المعاصر

وقال كنعان أحيطت المقبرة في أواخر العهد العثماني بسور عام 1318ه¯ واستمر المسلمون في دفن موتاهم حتى عام 1927م,حيث أصدر المجلس الإسلامي الأعلى حظرا على دفن الموتى فيها بسبب اكتظاظها واقتراب العمران إليها, وقام المجلس الإسلامي الأعلى أيام الانتداب البريطاني على فلسطين بترميمات متكررة لسور المقبرة وغرفة الحارس وتسوية منخفضات.

واضاف يبدو أن كل المشاريع التي صممت في عهد الانتداب البريطاني كانت تحمل في ظاهرها صيغة الاعتناء والمحافظة العينية الجمالية للمقبرة لكنها في باطنها, علم ذلك أم لم يعلم, كانت تحمل هدفا أساسيا, تقوم عليه تلك التصاميم والمشاريع وهو إزالة المقبرة عن الوجود, كمنطقة دخلت طريق الازدهار العمراني والصناعي والسكني, فالمقبرة كأثر إسلامي له حرمته, تشكل بمساحتها التي تزيد على 150 دونماً حائلا دون  الاستفادة من المساحة الشاسعة وسط محيط يعج بالحياة.

 ولعل المجلس الإسلامي الأعلى لم يتنبه إلى هذه القضية عندما قرر وقف دفن موتى المسلمين في المقبرة عام 1927م, وكذلك قرار دائرة الأوقاف بإقامة عمارة أو نزل على أرض الوقف التابعة للمقبرة. ونشأت فكرة إنشاء عمارة على أرض الوقف فيها بداية السنوات الأولى من العشرينيات, وقد راودت الفكرة المسؤولين وقتئذ لأجل الاستفادة من ريعها وزيادة واردات الأوقاف حتى لا تبقى الأرض الثمينة من دون استفادة منها.

وظهرت وجهات نظر متباينة بين القبول والرفض للفكرة, وفي تاريخ 14/7/1926 وافق قوامو الأبنية على إعطاء الرخصة الى دائرة الأوقاف للبناء على أرض الجبالية, وبدأ العمل بهذا الن¯زل وانتهى العمل منه عام 1929م, وجعلت العمارة فندقا من الدرجة الأولى وأطلق عليه اسم فندق  بالاس  بإدارة ثابت درويش أحد رجال القدس في تلك الآونة, ونجح الفندق وصار أشهر فندق في بيت المقدس للسائحين والزوار وخاصة الأمريكان ولكن قيام شركة فندق الملك داوود بعد افتتاحه بقليل, وبناءها الفندق الكبير مواجها لبرج أو محراب داوود الذي يحمل اسمه كان يقع على  بالاس وفي سنة 1933م أعلنت دائرة الأوقاف عرضا لتأجير العمارة. وعمارة الأوقاف مرت بظروف وملابسات كبيرة كلها دارت حول مصلحة زيادة واردات الأوقاف, والبناية ما زالت قائمة, وما زالت تحتفظ بجمالها ورونقها, ويظنّ إنها تستعمل لبعض الدوائر الحكومية الصهيونية.

اعتداءات مبكرة على المقبرة

تحت الانتداب البريطاني

في زمن الانتداب البريطاني خاصة بداية سنوات الثلاثينيات تعرضت المقبرة لانتهاكات متكررة, وفي ظل مخطط وضع سنة 1933 م للمقبرة وهو في جوهره يقتطع جزءا للبناء السكني وآخر للبناء التجاري, وثالث يكون حديقة عامة ورابعا يبقى مقبرة, إلا أن الجزء الأكبر من هذا المخطط نفذ في أواخر سنوات الستينيات وما بعدها. وبتاريخ 6/7/1935 كتب مدير الأوقاف العام إلى مأمور أوقاف القدس يقول : أخبرنا أناس, أن اليهود يلقون بأنقاض أبنية لهم في تربة مأمن الله , فأرجو أن ترسلوا من يتحقق من الأمر وأن تمنعوا المعتدين إذا كان الخبر صحيحا, وان تعلمونا بالنتيجة . وبتاريخ 15/7/1937 كتب مأمور أوقاف القدس إلى مفتش صحة بلدية القدس, الذي كان يعين أعضاءها ويشرف عليها, علمنا من أن مواسير مياه قذرة ممدودة في الطريق العام وتصب في مقبرة مأمن الله  بصورة مخفية, وبعد البحث, علمنا من ناطور المقبرة أن المواسير المذكورة مربوطة من دار عائلة لأحد اليهود غربي المقبرة, فنرجو التفضل بالكشف عليها لرفع الضرر وتغيير مجرى المياه عن المقبرة حرمة لها . وبتاريخ 9/12/1937م أصدر وكيل أوقاف القدس إخطاراً لاثنين من عمال بلدية القدس لقيامهم بهدم قسم من سور المقبرة, جاء فيه  ثبت لدي إنكم هدمتم قسما من سور المقبرة وإنكم ألقيتم في المقبرة المذكورة كثيرا من الأنقاض والأوساخ, وبما أن هذا العمل أضر الأوقاف, ضررا عظيما, وبما أنكم بعملكم هذا تعديتم على مصالح الأوقاف, لذلك فإنني أخطركم برفع الأنقاض والأوساخ التي ألقيتموها داخل المقبرة, وإذا تأخرتم او امتنعتم عن ذلك, فإنني اضطر لمراجعة الطرق القانونية لتغريمكم بكل عطل وضرر أصاب الأوقاف جراء عملكم هذا.

وبتاريخ 13/12/1937 كتب وكيل مأمور أوقاف القدس,إلى رئيس بلدية القدس, يقول: علمت أن احد مهندسي البلدية  أمر عماله بهدم قسم من سور مقبرة  مأمن الله  من الجهة الشمالية وإلقاء أتربة الشارع المجاور في المقبرة, وبما أن للمقابر حرمة لا يجوز انتهاكها فإنني استغرب جدا, كيف أباح حضرة المهندس لنفسه انتهاك تلك الحركة, من دون استئذان دائرة الأوقاف وإعلامها بالأمر, ولقد جرأ حضرة المهندس بعمله هذا جميع المجاورين, فأصبحوا يتخذون المقبرة محلا لرمي الأقذار, وطريقا يمرون منه ويتعدون على قبور الأموات, لذلك فإني  أوجه نظر سعادتك لهذا الأمر, راجيا أن تأمروا برفع الأتربة التي ألقيت في المقبرة وبناء السور كما كان, وتحولوا دون الإقدام على مثل هذا العمل في المستقبل. وفي شهر 4/1947 استولى الجيش البريطاني على مقبرة  مأمن الله  وأقام فيها, كما قام بهدم أجزاء من سور المقبرة, حيث أرسل حارس المقبرة, كتابا الى مأمور أوقاف القدس بتاريخ 4/6/1947 يعلمه فيها بذلك.

نكبة.. احتلال.. وطمس للمعالم

في عام 1948 احتلت القوات الصهيونيه, الجزء الغربي من القدس, فسقطت من ضمنها المقبرة, وفي نفس العام أقرت إسرائيل قانونا بموجبه  يعتبر جميع الأراضي الوقفية الإسلاميه وما فيها من مقابر وأضرحة ومقامات ومساجد, بعد الحرب بأراض تدعى أملاك الغائبين, وأن المسؤول عنها يسمى حارس أملاك الغائبين وله الحق التصرف بها, فيما استثنى القانون أملاك الطوائف الأخرى من هذا القانون, أي حارس أملاك الغائبين يستطيع التصرف فقط بأوقاف المسلمين, رغم ان هذا التسجيل الخاطئ لا يزيل صفتها الوقفية المقررة بموجب الشريعة الإسلامية, وبذلك دخلت المقبرة ضمن أملاك حارس أملاك الغائبين لدى دائرة أراضي إسرائيل.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت إسرائيل تقوم بتغيير معالم المقبرة وطمس كل اثر فيها, حتى لم يتبقَ فيها أقل من خمسة بالمئة من القبور التي كانت موجودة فيها. وقدرت المساحة المتبقية منها بحوالي ثمن المساحة الأصلية أي حوالي 19 دونما. و في عام 1967 حولت المؤسسة الإسرائيلية جزءا كبيرا من المقبرة إلى حديقة عامة, دعيت بحديقة الاستقلال, بعد أن جرفت القبور ونبشت العظام البشرية, وقامت بزرع الأشجار والحشائش فيها, وشقت الطرقات في بعض أقسامها, كما بني على قسم آخر واشتهرت الحديقة باستعمالها وكرا لممارسة أعمال الرذيلة خاصة من الشاذين اليهود.

وفي أواخر عام 1985م انشات وزارة المواصلات موقفا للسيارات على قسم كبير منها, ففي كتاب من مساعد مدير الأملاك الوقفية الى مدير الأوقاف جاء فيه: لقد توجهت بسيارة الأوقاف صباح يوم الاثنين 2/12/1985م لزيارة المقبرة في القدس المحتلة ما قبل عام 1967 م, وشاهدت ما يجري في المقبرة, وبعد التجول فيها سابقا والحديقة العامة حاليا تبين ان هناك تغييرا واضحا وسافرا في معالم المقبرة, حيث أن حوالي 95% من القبور نبشت وأقيم عليها بناء. والقبور المتبقية تستعمل للأعمال اللاأخلاقية ومكان للقمامة. وأثناء تجوالنا في المقبرة وفي الناحية الشرقية الشمالية شاهدنا جرافات إسرائيلية تعمل هناك وقد نبشت جزءا كبيرا من الجزء المتبقي من المقبرة, ولدى سؤالي بعض العمال الذين يعملون هناك أفادوا بأن الجرافة قد نبشت المقبرة وأخرجت منها بعض عظام الموتى, وأن الحكومة الإسرائيلية تعتزم إقامة موقف للسيارات في منطقة الحفريات. وفي أعوام ,1985 1987 نفذ عمليات جديدة من الحفر لتمديد شبكات مجاري, وتوسيع موقف السيارات فدمرت عشرات القبور وبعثرت عظام الموتى في كل مكان ورغم احتجاجات المؤسسات الإسلامية, الا ان البلدية نفذت مخططها وأجرت الحفريات. وبتاريخ 15/1/2000 قامت شركة الكهرباء الإسرائيلية بأعمال حفريات في المقبرة, في الجهة المقابلة بجانب الشارع الرئيسي, وهو ما تسبب في تناثر عظام الموتى على سطح الأرض, وذلك بحجة تمديد أسلاك كهرباء في باطن الأرض. ويستخدم جزء من المقبرة مقرا رئيسيا لوزارة التجارة والصناعة الإسرائيلية.

ومن بين الذين كانوا على رأس تغيير معالم المقبرة وساهموا في تحويلها الى موقف للسيارات وحديقة عامة وغيرها وما نتج عن ذلك من نبش للقبور وإزالة لها  رئيس بلدية القدس تيدي كوليك. ويستمر الاعتداء والتطهير العرقي للموتى.

تدنيس قبور الموتى

الاعتداءات الإسرائيلية لم تمس الأحياء, وحدهم بل طالت الأموات في قبورهم, ولم ينبع من ضغوط إحتياجات التنمية والمصلحة العامة, وإنما بهدف مقصده عملية تطهير عرقي للموتى لأن وجود المقابر تلك دليل على ملكية الأقصى. وطمس متواصل لمعالم المقبرة التاريخية في القدس مدن وقرى ومخيمات, قبائل وحمائل وعائلات يواصل الاحتلال الصهيوني طمس معالم المقبرة التاريخية, وهي أقدم وأكبر مقبرة إسلامية في مدينة القدس المحتلة. وأنّ معظم أجزاء المقبرة اختفى بعد أن بنت الحكومة الصهيونية على أجزاء كبيرة منها فنادق وشوارع, والجزء المتبقي هو الآن عرضة لبناء مشروع استعماري آخر. وتقع المقبرة غربي المسجد الأقصى المبارك بجوار مبنى تاريخي هو مبنى المجلس الإسلامي الأعلى, الذي كان عبارة عن مقر الحاج أمين الحسيني.

المقبرة... شاهد على العدوان

احتلت المنظمات الصهيونية عام 1948م الجزء الغربي من مدينة القدس فسقطت المقبرة, وفي نفس العام أُعلن عن إنشاء الكيان الصهيوني, الذي بدوره أقرّ قانوناً بموجبه تعتبر جميع الأراضي الوقفية الإسلامية وما فيها من مقابر ومقامات ومساجد, أراض تدعى أملاك الغائبين ويديرها حارس أملاك الغائبين, وله حق التصرف بها, وبذلك أصبحت مقبرة مأمن الله ضمن الأملاك المستولى عليها. ومنذ ذلك الحين دأب الصهاينة على تغيير معالم المقبرة وطمس كل أثر فيها, حتى أنه لم يتبق فيها سوى أقل من خمسة في المئة من القبور, وقُدِّرت المساحة المتبقية بحوالي ثمانية في المئة من المساحة الأصلية. وفي عام 1967 حوّل الكيان الصهيوني جزءا كبيرا من المقبرة إلى حديقة عامة دُعيت حديقة الاستقلال, حيث جُرفت أراضي المقبرة ونُبشت القبور وهياكل الموتى, وشُقّت الطرق في أجزاء منها, وبُني على أجزاء أخرى. وفي عام 1985 أقامت وزارة النقل الصهيونية موقفاً للسيارات على قسم كبير منها, وفي الخامس عشر من كانون الثاني عام ,2000 قامت شركة الكهرباء الصهيونية بحفريات في المقبرة اعترضت عليها دائرة الأوقاف الإسلامية العامة في حينه, ويُستخدم جزء من المقبرة حتى اليوم كمقر رئيسي لوزارة التجارة والصناعة الصهيونية.

أما في عام 1992م نُقلت مسؤولية مقبرة مأمن الله من حارس أملاك الغائبين إلى سيطرة بلدية الاحتلال في القدس, التي برع رؤساؤها من تيدى كوليك وإيهود اولمرت وحتى اليوم في إزالة معالم المقبرة, كما يعملون على طمس معالم المدينة المقدسة بكاملها.

وفي شهر أيلول 2002م أعلنت المؤسسة الصهيونية عن نيتها إقامة مجمع للمحاكم الصهيونية في منطقة المقبرة, سعياً منها لمسح أثرها نهائياً. وفي الأسبوع الأول من شهر كانون أول 2005 م, عاود الاحتلال الاعتداء على حرمة الموتى وقبورهم, فقامت الجرافات الصهيونية وأكثر من 140 عاملاً بتجريف أرض المقبرة ونبش القبور وإهانة كرامة الموتى, تمهيداً لإقامة مشروع أمريكي صهيوني بوساطة مركز سيمون فيزنتال الصهيوني, على مساحة 21 دونماً, يضم مبنيين كبيرين, أحدهما باسم الكرامة الإنسانية والثانية باسم متحف التسامح, بتكلفة 200 مليون دولار, بتمويل المركز المذكور الذي يتخذ من لوس أنغلوس بامريكا مقراً له.

وسبق أن وُضع حجر الأساس لما يسمى بتحف التسامح في حفل كبير, حضره رئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود اولمرت وحاكم كاليفورنيا أرنولد شوارزينغر.

متحف الكرامة الانسانية

بدأت الشركات المتعهدة بالعمل على رفع السور المحيط بالمقبرة من مترين إلى ارتفاع أربعة أمتار, حتى لا يرى أحد الجرائم التي تُرتكب بحق الموتى. ولم تكتف الشركات بهذا, فقد عمدت إلى نصب خيمتين كبيرتين لستر ما تقوم به من انتهاكات واعتداءات على رفات وهياكل الموتى, تحت حراسة العشرات من جنود الاحتلال المنتشرين في محيط المقبرة وأثناء العمل بها. ورغم ذلك كله, فقد أفاد بعض العمال بأنه يعمل في الموقع حوالي 150 شاباً وشابة يهودية, وأنهم يقومون بحفر القبور تحت الخيام.

ويتضح من شهادات أخرى أنه كُشف في موقع إقامة المتحف وحتى الآن وتحت أنظار سلطة الآثار عن أكثر من 150 هيكلاً عظمياً. وفي شهر كانون الثاني 2006 أعلنت الصحف العبرية عن قرار الحكومة الصهيونية افتتاح مقر ما يسمى مركز الكرامة الإنسانية - متحف التسامح في مدينة القدس, على ما تبقى من مقبرة مأمن الله, الأمر الذي يؤكد تصميم الصهاينة على إنهاء وجود المقبرة.

وطالبت الهيئات الإسلامية, ومنها مفتي القدس وقاضي القضاة ومدير دائرة الأوقاف, بوقف العدوان على المقبرة لكونها مقبرة إسلامية. وأصدرت تلك الهيئات فتوى تحرم تدنيس المقابر والاعتداء على حرمتها وقدسيتها ونبش قبورها, وناشدت كافة الهيئات والمؤسسات المختصة وجمعيات حقوق الإنسان, الوقوف في وجه الهجمة ضد المقدسات وضد الأموات, وبتنفيذ كافة القرارات الصادرة عن المحكمة الشرعية ذات الاختصاص في هذا المجال.

وقام متطرفون بتحطيم أكثر من عشرين قبراً, وبعض القبور بشكل شبه كامل, وبعضها تم تحطيم وتكسير شواهدها وانتهك الاحتلال وما زال حرمة المقبرة وهي أعرق وأكبر وأقدم مقبرة إسلامية تاريخية في القدس.

مقبرة للدعارة

اليهود يلقون بأنقاض الابنية في المقبره وكتب ذلك مدير الأوقاف العام إلى مأمور أوقاف القدس الإسرائيلي في 6/7/1935 ومنذ ذلك الحين والمقبرة تتعرض للانتهاكات الصهيونية المتواصلة, وأشارت مؤسسة الأقصى لأعمار المقدسات الإسلامية, تحويل قسم كبير من المقبرة للرذيلة وخاصة بين اليهود الشواذ, وازدادت وتيرة العدوان الصهيوني عليها منذ عام 1967م يوم سقطت مدينة القدس والمسجد الأقصى تحت الاحتلال.

ويقوم الصهاينة بمشروع تحت عنوان تهويد القدس الشريف, بوضع يدها على كثير من المساجد, وحفر عشرات المقابر الإسلامية, كما أسس مدرسة دينية يهودية على مقبرة المالحة في ضواحي القدس, وسيطر على مقبرة ومسجد عكاشه وحول المسجد لمخزن للبلدية. والسيطرة على مسجد عين كارم, الى درجة أنه بات يستخدم كمكان للدعارة.

وفي عام 1948 م احتل الصهاينة الجزء الغربي من القدس فسقطت من ضمنها المقبرة وأقر الاحتلال قانونا يعتبر جميع الأراضي الوقفية الإسلامية وما فيها من مقابر وأضرحة ومقامات ومساجد,بعد الحرب أراضي تدعى أملاك الغائبين, وأن المسؤول عنها يسمى حارس أملاك الغائبين الذي له الحق التصرف بأوقاف المسلمين, وبذلك دخلت المقبرة ضمن أملاك حارس أملاك الغائبين لدى دائرة أراضي الاحتلال.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت المؤسسة الصهيونية تقوم بتغيير معالم المقبرة وطمس كل اثر فيها, حتى لم يتبقَ فيها أقل من خمسة بالمئة من القبور التي كانت موجودة, وقدرت المساحة المتبقية منها بحوالي ثمن المساحة الأصلية.

ويقول أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله كنعان ان سلطات الاحتلال تقوم باعتداءات متكررة على مدينة القدس وما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية. وتنشط الاعتداءات عند انشغال العالم في أحداث مهمة, ويشجعها بذلك ضعف الموقف العربي والإسلامي والخلافات الفلسطينية الفلسطينية. وتتعرض الأملاك المسيحية والإسلامية في القدس للمصادرة بشتى الطرق, ومنها استغلال قانون أملاك الغائبين, أو بالاستئجار لمدة طويلة أو بعقد صفقات مشبوهة.

وتعتبر مدينة القدس وفقاً للقوانين والمعايير الدولية منطقة محتلة, وهي ليست جزءاً من إسرائيل, وبالتالي فإن المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بالأراضي المحتلة, بما في ذلك معاهدة جنيف الرابعة, هي التي تنطبق على القدس الشرقية وليس القانون الإسرائيلي, كما أن معاهدة جنيف الرابعة تمنع الدولة المحتلة من إبعاد المواطنين عن أماكن سكناهم وإقامتهم, ورغم ذلك تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصار وإغلاق المدينة.وفرض الضرائب الباهظة على المواطنين العرب في القدس الشرقية ولا تقدم لهم الخدمات الضرورية من نظافة وطرق وتصاريح بناء وإنارة, وتحرمهم من رخص البناء وتهدم منازلهم لتسهل بذلك عمليات بناء المستوطنات, كما تتبع أساليب الخداع والتزوير وفرض قانون أملاك الغائبين للاستيلاء على البيوت العربية مما يضطر أصحابها العرب للرحيل عنها ومصادرة هوياتهم التي تثبت انهم مقدسيون.

القدس ليست المسجد الأقصى أو كنيسة القيامة, المكانان اللذان يتعرضان لما يمكن تسميته بالهدم البطيء المتواصل, فالقدس المدينة والسكان الذين, عاشوا فيها أبا عن جد منذ مئات السنين. الاحتلال الصهيوني استولى على جزء واسع من المقبرة العام الماضي واقام عليها حديقة عامة, اطلق عليها اسم حديقة التسامح وينتهك الزوار حرمة المقبرة عبر شرب الخمر وممارسة الفاحشة بين القبور.

ومقبرة "مأمن الله" هي مقبرة تاريخية في القدس, أنصاب قبورها القديمة لا تزال في أماكنها, تقف شاهدة على أن المدينة مكان لقاء الأحياء بالأموات. يتحدثون عن الكرامة الإنسانية وهم يدوسون كرامات الأموات الأحياء! فالمقبره تتحول اليوم شاهداً على مجزرة ترتكب باسم التسامح, معلنة أن لا مأمن ولا امن ولا حياة ولا موت في ظل الاحتلال.

ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة نتنياهو لا يعكس استهتارها بالسلام فحسب وإنما تريد أن تفرض الأمر الواقع,وأن تحسم مفاوضات الوضع النهائي مستفيدة من الانقسام الفلسطيني الداخلي وانشغال العرب بأوضاعهم الداخلية البائسة,الى جانب تراخي المجتمع الدولي عن محاسبة إسرائيل.وهما قبر راحيل, مسجد بلال بن رباح, الذي يقع على مدخل بيت لحم قرب القدس, والحرم الإبراهيمي في الخليل في جنوب الضفة الغربية المحتلة.

ولم تصدر احتجاجات غربية وامريكية لمجرد وضع مواقع تاريخية ودينية وتراثية على قائمة أو لائحة, المواقع الأثرية الإسرائيلية, بقصد حمايتها ورعايتها وصيانتها فحسب. فهناك قضايا أخطر وأهم من ذلك بكثير لم يصدر عن الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أي اعتراض أو احتجاج بشأنها ومنها ان الكيان الصهيوني بدأ منذ فترة طويلة تهويد المعالم الأثرية الفلسطينية وإلغاء وطمس بعضها من كتب التاريخ والذاكرة الفلسطينية والعربية ومنها مقبرة مأمن الله.

ان اقامة متحف للتسامح على أنقاض قبور وعظام الفلسطينيين, يعني ان المتاحف لا تقام إلا على المواقع الأثرية والدينية والتاريخية الفلسطينية. فالتسامح الحقيقي من وجهة النظر الإسرائيلية, يقوم على شطب تاريخ شعب فلسطين فوق الأرض العربيه. وبهذه البدعة الثقافية والتراثية تخفف اسرائيل عنها الاحتجاجات الدولية الامر الذي يمهد امامها تهويد كل المعالم التاريخية والدينية الفلسطينية بشكل ناعم وهادىء وبأقل ضجة ممكنة!! بحجة حماية الآثار من الاندثار والخراب.

وخطورتها أنها تمهد نحو ضم أوإضافة المسجد الأقصى المبارك إلى القائمة تحت اسم جبل الهيكل أو المبكى. وتتحين الفرصة المناسبة لفعل ذلك. وأن قائمة المواقع الأثرية الإسرائيلية, لم تستكمل بعد فهي مفتوحة كالحدود الإسرائيلية تماما غير مححدة وقابلة للتوسع.


العرب اليوم - عبدالله اليماني





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع