زاد الاردن الاخباري -
أكد النائب أيمن المجالي رئيس اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب أن قانون ضريبة الدخل المؤقت عرض خلال الدورة الأولى على مجلس النواب وأن اللجنة المالية والاقتصادية أجرت عدة لقاءات تشاورية مع غرف الصناعة والتجارة حول القانون، بغية الإحاطة بمختلف وجهات النظر حيال القانون قبل إقراره أو تعديله أو رده، مضيفاً أن القانون بصيغته الحالية غير مقبول وبحاجة أكيدة للتعديل.
وأوضح المجالي خلال افتتاحه أعمال ورشة "حوار المجتمع المدني حول قانون ضريبة الدخل المؤقت" التي نظمها معهد بصر لدراسات المجتمع المدني أمس الأول، أن اللجنة ستشرع الأسبوع المقبل في دراسة التوصيات المقدمة حول قانون ضريبة الدخل المؤقت رقم 28 لعام 2009، وأنها تنظر جدياً في مسألة تصاعدية الضريبة، مشدداً أن المشكلة الأساسية تقع في الأشخاص الذين يطبقون القانون وفي آلية تطبيق القانون، وليس في النص القانوني. وأضاف المجالي أن التهرب الضريبي هو شكل من أشكال الفساد ويجب معاقبة ومحاسبة المتهرب من الضريبة، فهذه الأموال ينبغي أن تدخل على مالية الدولة.
وقدمت مديرة معهد بصر للدراسات الدكتورة مي الطاهر عرضا خلال جلسة الافتتاح الآراء والمواقف المتباينة حيال قانون ضريبة الدخل المؤقت، الذي دخل حيز التنفيذ في 1/1/2010.
وتطرقت الطاهر الى أهمها توحيد أكثر من عشرة أنواع من الرسوم والضرائب بالاكتفاء بضريبة واحدة للدخل، كما تضمن تبسيطاً للإجراءات المحاسبية والضريبية، هذا الى جانب أن القانون ألغى حزمة من الاستثناءات والتخفيضات المتعددة، مقابل توسيع الشريحة المعفاة إلى 24 ألف دينار سنوياً للعائلة، وهو ما اعتبر من أهم المكاسب لمعظم محدودي ومتوسطي الدخل.
وتابعت الطاهر "أن هذه التعديلات من وجهة نظر قطاع عريض من الفعاليات الاقتصادية، هي غير كافية، فبحسب وجهة النظر الاقتصادية، فإن المبالغة في التخفيضات والإعفاءات من ضريبة الدخل قد أدى الى تراجع كبير في الإيرادات المتأتية من ضريبة الدخل، وإلى اختلال في الموازنة، والتي تم تغطيتها بفرض ضريبة مبيعات مقدارها 16%، تدفع بشكل ثابت (flat rate)، ويتحمل عبئها الأكبر محدودو الدخل. كما ان من المفارقة ان يتم إعفاء أول 24 الف دينار دخل سنوي للفرد، في حين تفرض ضريبة دخل 50% على مكافأة نهاية الخدمة للموظف".
وتحدث الدكتور خالد الوزني خلال ترأسه أعمال الجلسة الأولى من الورشة، عن أهمية موضوع القوانين المؤقتة التي صدرت بالمئات دون مبرر، وأكد على أهمية مشاركة رئيس اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب في أعمال هذه الورشة، والذي يعكس حرص اللجنة على التشاور مع مختلف فئات المجتمع والاستماع الى وجهات نظرها.
وأوضح الوزني أن قانون ضريبة الدخل بشكله الحالي هو غير تصاعدي، مضيفاً أنه لا يرى ضرورة لرفع معدل الضريبة المفروضة على البنوك، ومؤكداً في الوقت نفسه على وجوب فرض التصاعدية على ضريبة المبيعات لأن ثباتها بنسبة 16% هو غير مقنع ولا منطقي.
وقدم الدكتور عادل القطاونة، عضو لجان إعداد القوانين الضريبية وأستاذ المحاسبة الضريبية، الورقة الرئيسية في الجلسة، حيث عرض قانون ضريبة الدخل المؤقت رقم 28 لعام 2009، مبرزاً أن أهم التعديلات في هذا القانون مقارنة بالقانون السابق أنه أكثر تفصيلاً في الفقرات، وأنه ألغى جميع علاوات السكن والإعاشة والسفر والمأكل والضيافة والتمثيل، كما أنه أخضع جميع أنواع الدخل للضريبة ما لم يستثنى صراحة. وأوضح القطاونة أن القانون يخضع دخل الشركات التي لا تهدف إلى تحقيق الربح للضريبة، كما يفرض 50% ضريبة على مكافأة نهاية الخدمة، ويخضع للضريبة الراتب التقاعدي الذي يتجاوز الـ 4000 دينار شهرياً.
وأشار القطاونة في ورقته أن الدخل الإجمالي للفرد معفي من الضريبة حتى مبلغ 12000 دينار للمكلف، كما يتم إعفاء مبلغ 12000 دينار من الضريبة وذلك عن المعالين مهما كان عددهم. وأضاف أنه تم فرض 24% ضريبة على دخل شركات الاتصالات وشركات التأمين والوساطة المالية والصرافة والتأجير التمويلي، في حين تفرض 30% ضريبة على دخل البنوك، ونسبة 14% على الأنواع الأخرى من الشركات.
وفي مداخلة له خلال ورشة العمل، انتقد النائب عماد بني يونس، عضو اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب، التسارع الحاد الذي حصل في إصدار مئات القوانين المؤقتة، والتي اتخذت استجابة لمصلحة صانع القرار، وأدت بالنتيجة الى تدهور الوضع الاقتصادي في الأردن. وشدد بني يونس على ضرورة تشريع قوانين جديدة تواكب العصر وتتماشى مع خصوصيتنا الوطنية، بدلاً من تقليد دول أخرى متقدمة ومختلفة كلياً عن واقعنا واقتصادنا الوطني، مؤكداً ان الفريق الاقتصادي ينبغي ألا تكون لديه مصالح اقتصادية حتى يعمل بحيادية تامة ويراعي المصلحة الحقيقية للبلد.
أما الدكتور طاهر كنعان، الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الوزراء السابق، فاقترح وضع خارطة واقعية لتبيان مصادر نشوء الدخل في الأردن، بحيث يتم تحديد أي القطاعات هي التي تخلق القيمة المضافة، ليصار بعدها الى فرض الضرائب على المصادر الأساسية للدخل. وأشار كنعان الى وجوب فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية، موضحاً أن إخضاع ودائع البنوك للضريبة هو بعيد عن أي منطق، كون النمو الاقتصادي مرتبط بالادخار، والودائع هي التي تحرك الاقتصاد.
من جانبه، قال محمد البشير مدير الدار العربية للتدقيق والرئيس السابق لجمعية المدققين، ان المشكلة هي ان القانون عزز السطو على أموال ذوي الدخول المتوسطة وأعفى العالية فالقانون أضر بالاقتصاد الوطني لأن ضريبة المبيعات هي الرافد الحقيقي لخزينة الدولة، وفي هذا خطر على الواردات العامة.
من جهة أخرى، قال الدكتور موسى الوحش، عضو المكتب التنفيذي في جبهة العمل الإسلامي، ان قانون ضريبة الدخل يمثل ثورة على القوانين السابقة لكنه في نفس الوقت فيه ظلم كبير، فبأي حق يتم إعفاء 50% وإخضاع الباقي للضريبة، طالما ان الهدف من الضريبة رفد الخزينة بالأموال. كما ان فرض 24% ضريبة مسقفات هي مجحفة، أما إخضاع راتب التقاعد الذي يزيد عن 4000 دينار فهو غير منطقي، بينما كان الأجدى إخضاع الراتب الذي يزيد عن 1000 أو 2000 للضريبة، مؤكدا أن مبدأ التصاعدية في الضريبة لم يراع في هذا القانون.
بدوره، دافع الدكتور أكرم كرمول، رئيس جمعية حماية المستثمر، عن المنطق وراء فرض ضريبة الدخل على الربح، فهذا مقبول ومنطقي، لكن أن تدفع الشركات والمصانع ضريبة مبيعات رغم أنها لا تحقق أرباحا، فهذا بعيد كلياً عن أي منطق، وقد أدى الى كوارث في إغلاق العديد من المصانع لعدم مقدرتها على الالتزام بدفع الضرائب المفروضة عليها. ولفت كرمول الانتباه الى ان المشكلة الرئيسية هي البيروقراطية في الاستثمار، مؤكداً على وجوب إعفاء الصناعات في أول 15 سنة من دفع ضريبة المبيعات.
القيادية في الحزب الشيوعي وعضو الملتقى الإنساني لحقوق المرأة، إملي نفاع، انتقدت فرض ضريبة الدخل على مكافأة نهاية الخدمة، باعتبار أن الكثير من العاملين يتعرضون للفصل التعسفي من صاحب العمل، فينقطع مصدر دخلهم، فبأي منطق نقوم بفرض ضريبة دخل على المكافأة التي سيتقاضاها الموظف المنهية خدماته؟ طارحة مسألة ان ضريبة الدخل بشكلها الحالي إنما تكافئ الأثرياء وتتحيز لصالحهم.
ورأى عزام الصمادي، رئيس اللجنة التحضيرية لاتحاد نقابات العمال المستقل، أن المشكلة تكمن في غياب التفكير الاستراتيجي، فبأي منطق يتم تخفيض الضرائب على البنوك والشركات، وزيادتها على ذوي الدخل المحدود؟ ولماذا تخضع مكافأة نهاية الخدمة للضريبة، في حين أنها كانت معفاة؟ ولماذا لا يتم إعفاء التأمين الصحي من الضريبة؟ وهذه الأمور المتناقضة بحسب الصمادي، إنما تعكس غياب النظرة الشمولية لدى المشرعين ومتخذي القرار.
أما المحامي عوني الزعبي عضو الجبهة الأردنية الموحدة، فأثار موضوع الليبراليين الجدد الذين عاثوا فساداً في البلد، فأصدروا هذا القانون، الذي خفض التحصيلات المالية للخزينة العامة، كونهم خططوا أصلاً لإفقار البلد بغية جعله ضعيفاً غير قادر على اتخاذ قراراته. وأضاف الزعبي أن غاية المستثمر ليس تخفيض الشرائح الضريبية بل أهم غاياته استقرار القوانين لتحفيز الاستثمار، مؤكداً ضرورة إعادة النظر في الشرائح الضريبية وبشكل الخاص الضريبة المفروضة على شركات الأشخاص.
من جانبه، أثار الدكتور فوزي السمهوري، رئيس جمعية جذور لحقوق المواطن، التساؤلات التالية: هل حقق قانون ضريبة الدخل هدف جذب الاستثمار؟ وهل مكافآت أعضاء مجالس الإدارة خاضعة للضريبة؟ كما طرح إشكالية تعارض القانون مع الدستور، مؤكداً ان الأساس هو ان تحقق الضريبة العدالة للمجتمع ككل وليس للفئات العليا.
من جهتها، أكدت المحامية رحاب القدومي على ضرورة تطبيق التصاعدية على ضريبة المبيعات، وأثارت تساؤلاً هاماً حول المغزى من إعفاء أرباح الأسهم والبنوك من الضريبة، على الرغم من وجود مساهمين بمئات الآلاف من الدنانير، منوّهة الى ان ضريبة الدخل بشكلها الحالي إنما تزيد الطبقة الغنية غنى وتزيد الطبقة الفقيرة فقراً.
وأثار نبيل مدانات، عضو اتحاد النقابات العمالية المستقلة، وجود تداخل وازدواجية في التعريفات الواردة في القوانين، مثل مكافأة نهاية الخدمة الواردة في قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي وقانون ضريبة الدخل، حيث ترد تعريفات مختلفة ازاء نفس المصطلح، وشدد مدانات على ان المشكلة تكمن في "تطبيق" القوانين والأنظمة التعليمات، مؤكداً أنه كلما ارتفعت ضريبة المبيعات، ارتفعت الأسعار، ومضيفاً أن إعفاء شركات الاتصالات والبنوك التي تحقق الأرباح بالملايين من ضريبة الدخل ما هو إلا من سياسات الليبراليين الجدد.
في جلسة العمل الثانية التي حملت عنوان قراءات في قانون ضريبة رقم 28 لعام 2009، وترأسها الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الوزراء السابق، الدكتور جواد العناني، استهلها بالحديث أن الأصل في ضريبة الدخل أن تفرض على النفقات وليس على الادخارات، موضحاً ان الإعفاءات الحالية في القانون تعطي الفرصة لأصحاب الدخول الأعلى للتهرب من الضريبة. وطرح العناني فكرة تطبيق مبادئ أساسية في قانون ضريبة الدخل حتى لا يضطر المشرعون الى تعديله كل آونة وأخرى، والاكتفاء فقط بتعديل الشرائح، وهكذا يتم فرض الضريبة على الدخل الحقيقي وليس النقدي، مقترحا فرض ضريبة إضافية على الأرباح المفاجئة المتأتية للشركات بشكل غير متوقع (windfall profits)، الى جانب النظر في فرض الضريبة على القطاع غير الرسمي علماً أن بعضه غير قانوني.
وقدم المحلل والكاتب الاقتصادي، أحمد النمّري، الورقة الرئيسية في الجلسة، بعنوان (رؤية تحليلية في قانون ضريبة الدخل وإشكالياته)، حيث استعرض سلسلة التغييرات السلبية السابقة التي تضمنتها التعديلات على قانون ضريبة الدخل رقم 57، مبيناً أن القواعد والمعدلات التي تضمنها هذا القانون عند إصداره في عام 1985 لم يبتعد كثيراً عن تلك التي وردت في قانون ضريبة الدخل رقم 12 لعام 1966 لأن الظرف الموضوعي تطلّب ذلك من جهة، واحتراماً لمرتكز "قاعدة الاستقرار التشريعي" وإبعاده عن المزاجية والمصلحية الضيقة من جهة أخرى. كما تطرق النمّري الى القوانين الأخرى المؤقتة المعدلة لضريبة الدخل، ومنها القانون المعدل رقم (39) لسنة 2003، والقانون المعدل رقم (18) لسنة 2004، والقانون رقم (31) لسنة 2004، الى أن جاء القانون المعدل المؤقت لسنة 2005، والذي تضمن تخفيضات قياسية جديدة في النسب العليا للضريبة على دخول الأفراد والشركات بلغت في بعضها 10% هبوطاً تدريجياً، وبمعدل 1% سنوياً.
وعقّب على الورقة الدكتور طالب عوض، مدير المرصد الاقتصادي في الجامعة الأردنية، قائلاً أن الأساس في ضريبة الدخل هو تحقيق الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وطارحاً سؤال هل يحقق قانون ضريبة الدخل هذا التوازن؟ وأين تصرف الإيرادات الضريبية؟ وهل توجه لصالح الفئات المحتاجة؟ وهل تخدم العدالة الاجتماعية؟ وأشار عوض الى غياب الاستقرار التشريعي في حال ضريبة الدخل، فلماذا يتم تحديد أرقام محددة مما يتوجب إجراء تعديل دائم مع كل تغير يطرأ على معدلات التضخم وعلى ارتفاع الأسعار؟ مؤكداً أن استدامة ضريبة الدخل ضرورية لكي تعكس استقرار الأوضاع الاقتصادية.
وفي معرض تعقيب المحلل الاقتصادي فهمي الكتوت على الورقة، أشار الى تبدل مفهوم السياسة الضريبية منذ الخمسينات ولغاية الآن، بحيث أن السياسة الضريبية أصبحت الآن قائمة على أساس توحيد العبء الضريبي، بدلاً من إعادة توزيع الدخل، حيث تحمّلت طبقة محدودي الدخل ضريبة مبيعات مقدارها 16%. وانتقد الكتوت سياسة التخاصية المتبعة في السنوات الأخيرة التي أدت الى تراجع الإيرادات المحلية، مؤكداً ان التنمية في الأردن لا يمكن ان تتم دون الاعتماد على الدولة، ومشدداً على وجوب تحفيز القطاعات الصناعية والإنتاجية لتنمية الاستثمار في الأردن. وأوضح أنه لم يتم تطبيق سياسة السوق الاجتماعي في الأردن، القائمة على التوسع في خدمات المجتمع وتخفيض الضرائب على محدودي ومتوسطي الدخل.
ودعا المشاركون في ورشة العمل الى ضرورة إدخال تعديلات جذرية وسريعة على قانون ضريبة الدخل، تراعي بالدرجة الأولى مصالح المواطنين من ذوي الدخول المتدنية والمتوسطة كونهم الشريحة الاكبر في المجتمع، وطالبوا بالإجماع بوجوب تطبيق مبدأ التصاعدية على ضريبة الدخل وضريبة المبيعات.
كما دعوا الى فرض معدلات ضريبية أعلى على الشركات ذات الأرباح العالية، مع مراعاة الصناعات الوطنية. ودعا المجتمعون الى وضع الدراسات القبلية التي تقيّم الأثر المتوقع للقانون قبل الإسراع في إصداره، مشددين على ضرورة تطبيق الشفافية في الأنظمة والسياسات الضريبية، وتوعية المواطنين بمختلف أنواع الضرائب المفروضة عليهم، والشفافية في بيان أوجه إنفاق الإيرادات الضريبية كذلك أكد المشاركون على الحاجة الى وضع تصور اقتصادي استراتيجي مستقبلي وشامل، للخروج من الأزمات المتتالية للاقتصاد.