نتابع ما بدأناه أمس ونقول إننا نتخيل صائب عريقات يودع ميتشيل عند آخر نقطة لمناطق السلطة في رام الله بعد واحد من اللقاءات الماراثونية في إطار المفاوضات غير المباشرة وينزل لينضم الى متظاهرين عند الحاجز يهتف معهم ضدّ الاحتلال أو حتّى يقذف معهم الحجارة. إسرائيل تريد فرض إيقاعها بالتفاوض مع استمرار الحواجز والإذلال وهدم المنازل وبناء المستوطنات، والفلسطينيون يجب أن يفرضوا إيقاعهم بالتفاوض مع المقاومة بكرامة ورأس مرفوع، مقاومة عنيدة عند كل شجرة زيتون تقلع أو بيت يهدم أو أرض توضع اليد عليها وعند كل نقطة من الجدار تفصل بين بيوت الناس وأرضيهم ومدارسهم.
لا طلقة رصاص واحدة ولا كلاشنات وأيضا لا بلطات ولا سيوف ووجوه مبرقعة ورسومات جماجم وأقنعة سوداء وأكفان بيضاء. لا حاجة لمسيرات داخل مناطق السلطة ( المناطق أ) التي كانت تتحول إلى استعراضات سقيمة من القوى المتنافسة أمام الكاميرات. الفعاليات من شباب بملابسهم اليومية يلفون كوفية حول الرقبة هي ما يجب ان يراه العالم، فعاليات موجهة بتركيز على رموز الحضور الاحتلالي، حواجز الاذلال، الجدار، حقول تجرفها الجرارات، البساتين التي يمنع أصحابها عنها في مناطق ب و ج.
إنها انتفاضة مدنية بكل معنى الكلمة تحرص على كل مصلحة ومرفق خدمة فلسطيني وتحرص على حياة الفلسطينيين التي هدر منها 4500 في الانتفاضة الثانية من دون حساب خسائر حرب غزة. أعتقد ان هذا يمكن أن يشكل خطّ إجماع وطني يشمل حماس وهذا البرنامج أقرّه في الحقيقة مؤتمر فتح الأخير في بيت لحم. لكن أحد المعلقين على مقال أمس قال إن الشيء الوحيد الممكن أن نتحدث به الان هو مشروع حماس السياسي، سلطة تقوم على المقاومة من دون ان ترفض التفاوض. أخشى أن كلمة مقاومة هنا هي الاسم الحركي لحماس فيصبح المعنى ان المشروع الوحيد المقبول هو سلطة تقوم عليها حماس، فما هي المقاومة غير ما نتحدث به أعلاه اذا كانت حماس ملتزمة بوقف النار.
يستحسن أن نرى بصورة دائمة قيادات فلسطينية تشارك في فعاليات المقاومة وكنّا قرأنا إن إسرائيل سحبت بطاقات الـ (VIP) من حوالي مائة من قيادات فتح لأنها شاركت في مظاهرات بعلين، فليكن، وليتمّ سحب هذه البطاقات حتّى من المفاوضين الفلسطينيين، هذا يبقيهم في نظر شعبهم مناضلين ويمدّ الناس بعزيمة أشدّ ويجعل من التفاوض والمقاومة وجهين متكاملين للنضال الفلسطيني.
اليكس فيشمان في يديعوت أحرنوت كتب أول من أمس أن القادة الفلسطينيين يركلون الآن بطاقات الشخصيات المهمّة ولا يحبون تسهيلات المرور بسيارات المرسيدس المكيفة أمام عيون مواطنيهم عند الحواجز الاسرائيلية. في ظل انتفاضة كهذه لن يكون مخيفا الفراغ التفاوضي ولا يحتاج عباس أن يعلن محبطا ومدحورا عزمه الاستقالة، ويستطيع فياض أن يتمدد بقوّة الأمر الواقع الى مناطق ب وج عبر مشاريع زراعية وتثبيت الفلاحين في غور الاردن والجفتلك كما يلاحظ أيضا فيشمان.