أخيرا صدرت الإرادة الملكية السامية بتأجيل الإنتخابات النيابية إلى أمد لم يحدد بعد. و بالرغم من أنني كنت أول من كتب هذا صراحة في مقال نشر في عدد من المواقع الإخبارية قبل أكثر من شهر و نصف من صدور الإرادة الملكية بحل المجلس و كان بعنوان ( أحجية القوانين المؤقتة و تاجيل الدورة البرلمانية ) و حددت فيه بالحرف الواحد تاريخ حل المجلس و المدة التي سيظل الأردن فيها بلا مجلس نيابي حين قلت (فسيتم و قبل موعد إنعقاد الدورة حل المجلس نهائيا ثم سيتم تعيين حكومة عملية تمتلك من الحرية ما يجعلها تمسك بمبضع الجراح فتتخذ القرارات المناسبة في مصلحة الوطن دون تنازلات و مساومات مع مجلس برلمان و تسن القوانين اللازمة لضبط النفقات و إدارة البلاد بمعزل عن تدخلات من يعرف و من لا يعرف ثم ستقوم بإعداد قانون انتخابي جديد و ستطول هذه الحقبة لفترة ما بين السنتين إلى أربع سنوات و يحدث خلالها كثير من التغيرات السياسية في المنطقة حتى يصبح الأردن مؤهلا لمجلس قائم على أسس تمثيلية جديدة تتناسب و الواقع الجديد ).
و قد تحقق صوابية استقرائي للأحداث و الجزء الأول من توقعاتي بالكامل و هذا ما دعاني لأن أتبسم كلما شاهدت و قرأت إعلانات الترشح من جديد و تهافت المرشحين ( خاصة من أعضاء المجلس المنحل ) بمجرد أن ظنوا أن الإنتخابات القادمة ستكون في موعد أقصاه أربعة شهور، و هذا يظهر بوضوح مدى سذاجتهم السياسية و ضعف تواصلهم الفكري مع قائد البلاد و تفاعلهم مع رؤاه و بعد نظره و خطته لأمد بعيد. و هذا ليس تشفيا بهم لكنني أعتقد أنهم بحاجة لكثير من النضج السياسي و زيادة ثقافتهم العامة بقراءة كتب التاريخ و المقالات السياسية و الإجتماعية و مشاهدة المقابلات التلفزيونية مع المحنكين و الخبراء في هذه المجالات. كما أنهم بحاجة لأن يفهموا أن الأسلوب التقليدي القديم للترشح لم يعد يصلح و ذلك باستخدام المناسف و البطانيات و دفع ( النقوط ) للمواليد و العرسان و غيرها من النفاق الإجتماعي.
نحن بحاجة لأشخاص يعنون بالعمل العام و يعملون لما فيه مصلحة الوطن ككل و الأهم العمل بشكل مجموعات تختلف حسب توجهاتها و فهمها للمصلحة العامة. إن أسلوب شراء أصوات الناخبين و شراء المناصب سواء في المجالس النيابية أو البلدية أو النوادي لم يعد يناسب العولمة فقد أصبح مخزيا أن نرى من يشتري منصب الرئاسة بعشرات الآلاف و لم يعد من الممكن التكتم على هذه الأخبار و أصبح ثمن كل صوت معروفا و أصبحنا نعرف جميعا قيمة ما تقاضاه كل عضو في مجلس من المجالس مقابل التصويت لمنصب ما. قديما كان الناس يعيشون في تجمعات صغيرة و كان انتشار المعلومة صعبا للغاية لمحدودية طرق التواصل و الإنتقال. أما الآن فقد أصبح انتقال المعلومة أسهل و أسرع بتحديث وسائل التواصل سواء بالإنترنت أو الخلوي أو التجمعات البشرية.
الأردن الآن بحاجة لمن يستوعب طبيعة المرحلة السياسية و الإقتصادية. فبالنسبة للمرحلة السياسية أصبح الأردن وطنا لما يقارب الستة مليون إنسان. اسرائيل أصبحت كيانا قائما إلى حين و لا نستطيع تجاهلها. بالتأكيد لست أنادي بالتطبيع لكن أسلوب المقاومة قد تغير. أصبحت المقاومة بالعلم و بالإقتصاد و بالسياسة أكثر تقبلا من المجتمع الدولي و تتلقى دعما دوليا أكثر. ديموغرافيا أصبح تقبل منح الجنسية لإبن المرأة مقبولا أكثر فلم يعد الإبن فقط هو الإبن الذي يحمل نفس اسم العائلة. أصبحت قوانين الهجرة و التجنس عالمية و لم يعد مستهجنا أن يتم منح الجنسية لمستثمر أو عالم أو لأي سبب آخر بناء لمصلحة البلد.
أقتصاديا لم تعد القوة الإقتصادية هي فقط الموارد الطبيعية و إنما الموارد التي يمكن خلقها و إيجادها من العدم. أصبح علماء الإقتصاد هم من يرسمون السياسة و ليس من يملك ماشية أكثر و لا حتى بترولا أكثر. مصادر الطاقة الطبيعية ستنتهي و ستبقى مصادر الطاقة التي تستولد من الفراغ، من الشمس و من الهواء و من البكتيريا و العضويات.
باختصار نحن بحاجة لمدارس سياسية و عذرا و لكن ( إللي على راسه بطحة يحسس عليها ). walidsboul@hotmail.com