سقط القناع...عن الدور الخليجي
بقلم: د. آية عبد الله الأسمر
بداية أحب التنويه في هذا المقال إلى أنني غير معنية بنظام بشار الأسد، يقدر ما أنا مهتمة بالكشف عن حقيقة عمليات القرصنة التي مارستها وما زالت تمارسها بعض الأنظمة الخليجية، على ماضي وحاضر ومستقبل الأمة العربية، في غياب واضح لثقل عربي قومي كانت تقوده مصر عبد الناصر، وانسلاخ مصر السادات عن القافلة العربية.
ما يجري اليوم على الساحة العربية ضد النظام السوري، في محاولة مكشوفة لإزالة آخر معاقل المقاومة وضرب قلب العروبة، على يد الأنظمة الخليجية التي تقود محور الشر في المنطقة منذ عقود، يذكرني بأبيات شعر للراحل "نزار قباني" حين قال: ما دخل اليهود من حدودنا... وإنما تسربوا كالنمل من عيوننا.
لم تتوافق الأنظمة الخليجية مع غيرها من الأنظمة العربية يوما إلا من أجل هدم صرح القومية العربية بمعاول الخيانة والمؤامرة، إلا أنها كانت دائما تتستر كالحريم في حرملك الخوف والظلام، وتتذرع بالإسلام لتمرير المشروع الصهيوني البريطاني الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، أما اليوم فالأنظمة الخليجية بقيادة قطر الديمقراطية العروبية حتى النخاع، تتبجح بضغوطاتها المعلنة على باقي الأنظمة العربية، من أجل الإطاحة بسوريا الأم والعروبة والمقاومة والنضال والكرامة، في هجمة أعرابية رعوية واضحة ضد عواصم الحضارة كما فعلت مع العراق ومع مصر ومع فلسطين.
لن أخوض في تفاصيل الدور الخليجي في غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق واحتلاله، وضرب حضارته وشعبه ومقدراته وتاريخه ومستقبله عام 2003، فجميعنا يعلم تلك التفاصل.
كلنا ندرك حجم القواعد الأمريكية العسكرية المشيدة على أراضي المملكة السعودية ودولة قطر ودور تلك القواعد، وجميعنا يعلم أن أكبر مكتب تمثيل تجاري إسرائيلي موجود في قطر منذ 1998 حتى الآن.
لكن يجب علينا الوقوف على بعض المحطات الخليجية السابقة لنفهم مغزى الموقف الخليجي اليوم:
1- الوثيقة التي بعث بها الملك عبدالعزيز السعودي للسير بيرسي كوكس مندوب بريطانيا، أوائل القرن العشرين والتي أشهد الله عليها عندما افتتحها بالبسملة، ونصها كالتالي: " أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الفيصل آل سعود، أقرّ وأعترف ألف مرة، لسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة".
2- مساهمة السعودية مع عدة دول عربية أخرى في وقف الإضراب الفلسطيني الشامل عام 1936، بعد ستة أشهر من استمراره دون إلزام الطرف البريطاني بأي تعهدات في المقابل، مما أدى إلى صدور الكتاب الأبيض عام 1937 والذي أسس لتقسيم فلسطين فيما بعد.
3- كتابة الملك عبد العزيز على هامش نص اتفاقه مع الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945، حول إنشاء قاعدة أمريكية جوية في الظهران: "أوصي وصية مني لذريتي بالمحافظة على صداقة إخواننا الأمريكان أولاً، وثانياً أن تبقى هذه القاعدة تتجدد دائماً كرمز لصداقتنا السعودية – الأمريكية".
4- رفض المملكة استخدام النفط كوسيلة ضغط في ال48 بعد النكبة بحجة أنه: "لا علاقة بين الاقتصاد والسياسة".
5- اعتراف الملك سعود في ديسمبر 1966 بدوره في مؤامرة الانقلاب على الجمهورية العربية، وبأنه قام بدفع خمسة عشر مليون دولار من ضمن تكاليف الانقلاب الذي شاركت فيه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأطراف أخرى.
6- الوثيقة التاريخية التي بعث بها الملك فيصل بن عبدالعزيز إلى الرئيس الأمريكي جونسون عام 1966، والمنشورة في كتاب "عقود من الخيبات" لكاتبه حمدان حمدان، والتي يناشد فيها الملك فيصل أمريكا بأن تضرب الأخيرة وبدعم إسرائيلي العدو الأول للسعودية، ألا وهو مصر بهجوم خاطف، حتى تضطر مصر لسحب قواتها من اليمن آن ذاك، ومن ثم ضرب سوريا حتى يتم القضاء نهائيا على مراكز القوى العروبية القومية في المنطقة، وبعدها يتم توطين الفلسطينيين في مختلف الدول العربية ليتم القضاء على الحركات العربية الشعبية ومقوّماتها ومسوّغاتها في المنطقة.
7- تصريحات الأمير فهد في أيار عام 1977: "على إسرائيل أن تطمئن بأننا لا نعترض على وجودها".
8- أول مبادرة عربية رسمية تعترف بإسرائيل جاءت من السعودية، من العاهل السعودي السابق الملك فهد في قمة فاس عام 1982.
9- وقوف السعودية على رأس هرم الدول التي حاربت حزب الله في حرب تموز 2006، وحمّلت حزب الله مسؤولية حربها مع إسرائيل واصفة تلك الحرب بأنها مغامرة، بالإضافة إلى الحملة الشرسة التي تتزعمها دول الخليج عموما ضد إيران، في محاولة لتشويش الفكر العربي وتوجيه أنظاره عن العدو الرئيسي المتمثل في إسرائيل وأمريكا والدول الغربية ومشاريعها الاستعمارية الامبريالية الطامعة في المنطقة، وتفتيت حلبة الصراع القومي الوطني إلى صراعات طائفية سنية شيعية.
10- التصريحات الخليجية المتبوعة بالفعل المباشر إزاء تسليح المعارضة السورية، وضخ المليارات السوداء من أجل زيادة استعار عمليات القتل والإجرام بين مختلف أبناء الشعب السوري، وتسليم أهالي بابا عمرو للجيش السوري لواء سعوديا بزيّه العسكري الرسمي، بعد أن ظهر برفقة عقيدين تركيين في أحد مزارع بابا عمرو، وستكشف لنا الأيام لاحقا الموقف السعودي القطري الحقيقي في تأجيج الصراع داخل الأراضي السورية بهدف الإطاحة لا بالنظام السوري بل بسوريا الرمز.
11- الدور الخليجي العربي في مؤتمر هرتسيليا الصهيوني، والذي أسفر عنه قرارات وتوصيات تتعلق بإثارة البلبلة والقلاقل في سوريا وتأزيم الموقف فيها، لإفساح المجال أمام دولة العدو للمضي قدما في رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد، وتهيئة المنطقة أرضا وشعبا وفكرا ووجدانا لمشروع الوطن البديل.
هذا الموقف المرتجف للأنظمة الخليجية من كل ما يتعلق بشعارات ومفاهيم تخص المقاومة والقوة والمنعة والوحدة والقومية العربية، مرده إلى سببين أساسيين:
أولهما: معرفتهم التامة بعدم مشروعية أنظمتهم المالكة، وخوفهم على فقدانهم تلك الشرعية، بمجرد سقوط غطائهم السياسي المتمثل في الدعم الأمريكي الإسرائيلي لهم، مقابل تمرير المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة.
أما السبب الثاني: فهو مرتبط كما وصفه المفكر والفيلسوف الاجتماعي إبن خلدون في مقدمته: "في أن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك، والسبب في ذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم... فصعب انقياد بعضهم لبعض لإيلافهم التوحش"، وقوله: "خروج العرب عن ربقة الحكم، وعدم الانقياد للسياسة، فهم متنافسون في الرئاسة وقل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره... فيتعدد الحكام والأمراء... فتبقى الرعايا في فوضى...".
أسأل الله –سبحانه وتعالى- أن يحمي الأمة العربية الإسلامية وشعوبها من أحقاد الأنظمة الخليجية المتصهينة المتربصة بها، فقد قال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: "الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم، ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم".
صدق الله العظيم.