هذه القصة ليست حقيقية ولكنها تمت الى الواقع بصلة كبيرة , أشخاصها وهميون من نسج خيالي , ولكنهم في الحقيقة موجودون , مكانها أفكاري , وحيزها الاوراق فوق درج مكتبك , زمانها من أسراري , أما توقيتها فهي عقارب ساعتك , هي قصة قصيرة , ولكنها إن علمت في رحلتك طويلة.
يحكى أن رجلا من أبناء الوطن , عاش عمره خارج الوطن , مرفهاً منعماً مكرماً , درس أرقى أنواع العلوم , وارتاد أعرق مناهل العلم في العالم كله , اكتسب من العلم الكثير , وعمل في أعلا المناصب , وتولى إدارة أقوى الشركات , لديه على الحائط ما أكثر الشهادات , حين تراه تذهل , وتقول له : في علنك قبل سرك ما أروعك.
ولأنها قصتي , فهي مملكتي , ولي فيها وسيع حريتي , لذلك يحكى أن أباه قد استثمر فيه ليوم فيه عسر , وليكون جنبه في ساعة الحاجة اليه وقت الشدة, ويحكى أن اباه يملك من الأغنام قطيعا صغيرا , يعتمد عليه في المأكل والمشرب , ويطبق منها سياسة الإكتفاء الذاتي , ولكنه واجه في الاوانة الأخيرة مشكلة مع الرعاة , فهذا يخون , وهذا مهمل , وذاك يترك الاغنام للذئاب والكلاب المسعورة , والأب لا يقبل أن يبيع أغنامه , فهي سر نجاحه , و أساس بقائه .
أُسقط في يد الاب , فأرسل الى إبنه العالم , آن أوآن قطف الثمار , وجني نتائج الاستثمار , فطلبه , وللأمانة لم يتأخر , رد النداء حاضراً قادماً, واليك يا أبي عائداً , قبل يدي أبيه , وعاهده أن يضع كل خبراته بين يديه , و وعده بتغير الحال , ورفض المحال , أبتاه لا تحزن , واسترح ولا ينشغل لك بال على الأغنام.
أُقيل الراعي السابق , وتسلم الإبن المغوار زمام الأمور, وأعلن أنه سينجح بإقتدار, أخذ معه مساعد الراعي الراحل , وساق الى الدرب الاغنام لترعى وتأكل وتطمئن وترتاح بأمان , وفي الطريق سأل الراعي الجديد الابن الصنديد , سال المساعد: ما رقم جوالك؟ أجاب المساعد : بالجرابات 44 وحافي 45 .
سأله مرة اخرى : هل عندك إيميل؟ اجاب: لا ولكن عندي سكري و روماتيزيم
القائد الجديد يسأله من جديد : يا مساعد : الا تتابع الأخبار ؟ أجاب المسكين : فقط أخبار عمان , وحفظتها عن ظهر غيب بصم.
استغرب الابن القائد , ما هذا التخلف ؟ كيف يساعدني وهو يحتاج الى مساعدة تنويرية تثقيفية؟ حاول شرح الأمور للمساعد البسيط , أراه جواله اللمس الحديث , وأسمعه منه كثيرا من الحوارات والنقاشات والأغاني والموسيقى الراقية , وأراه صورا , وتحدث له عن شهاداته وعن الشركات التي تولى ادراتها ...الخ .
وفي لحظة الإنشغال , بسرد سيرة القائد الذاتية , وإنشغال المساعد بالنظر اليه بطريقة إندهاشية , تفرقت الاغنام , وابتعدت , ضاعت الحراسة عنها , في الشرق قليل , وفي الغرب قليل , هنالك مجموعة , وهنالك بعض من مجموعة , انتفض القائد الجديد , وحاول بكل جهد ان يعيد الجميع , نادى وصرخ, انا ابن جلا, درست هناك وتعلمت هناك وعملت هناك و تريدون ان افشل هنا؟ , ثم أخرج جواله المتطور , شغل كافة الاصوات عنده , لم يستجب من الاغنام ولو حتى عبور , حتى التي كانت بقربه أصبحت تفر وتهرب .
تفرق الشمل , من أول يوم , من أول محاولة , احتار الابن الزعيم , ما العمل ؟ كيف يتصرف؟ نظر الى المساعد المذهول بكل التكنولجيا التي أخرجها الراعي الجديد , وقال له : ويحك الاغنام , ويحك الاغنام , وبلحظة استفاق المساعد , ونظر الى الاغنام المتفرقة , ورفع يده بحجر صغير , رماها بكل خفة وهو يقول : شششه ششه رررررر
وبسرعة تجمعت الأغنام , وتوحدت من جديد, وأمامهما وقفت لا تحيد , تغني أحلا النشيد .
سال الراعي الجديد المساعد العتيد : ماذا قلت لها لتجتمع هكذا؟ أجابه : لا أعلم , ولكنني قلت ما كان أبي يقوله لها , عندها خطرت بباله فكرة لماذا لا يسجل هذا التردد الغريب على جواله؟ , ويستخدمه كلما دعت الحاجة , وهكذا يحل المشكلة , ويخترع نغمة جديدة تكون لكل راع يأتي من بعده من آل بيته , ثم سأل المساعد من جديد : هل لديك الكثير من العبارات والأصوات المفيدة ؟ , عندها فقط تنبه المساعد الى الفكرة , وعرف الغاية, فجلس على الارض وصمت , وأشار بيديه بأنه لا يفهم السؤال , حاول الراعي معه كثيراً وكثيراً , ولكنه لم ينجح في جعل المساعد يتحدث من جديد.
وهكذا نعلم يا سمير : أن القصة القصيرة لا يمكن أن تعطي كل الحلول , ولا يمكن أن تشفي الغليل , لانها قصيرة.
ما أجملك وأنت نائم , سأُغطيك حتى لا تأخذ برد , غداً حين تستيقظ سأسألك : في اي مرحلة من قصتي قد نمت ؟
ويا خوف فؤادي من غد , خصوصا إذا كنت قد نمت من الفقرة الاولى.
حازم عواد المجالي
نائب مدير عام مجموعة
في الاردن كلنا شركاء