عندما يؤيد (الرُبّع) الخيانة!
اجرت الـ بي بي سي حوارا واستطلاعا هذا الاسبوع حول مصعب حسن يوسف. نجل احد مؤسسي حركة حماس في الضفة الغربية, الذي اعلن بانه يعمل جاسوسا للشاباك الاسرائيلي (جهاز المخابرات) منذ 10 سنوات. بينما يقبع والده في الاسر في سجون الاحتلال.
يطرح الاستطلاع السؤال التالي: هل يمكن تبرير التعاون مع من يعتبره المجتمع عدوا? ولقد دهشت عندما تابعت نتائج هذا الحوار, وسماع اراء عدد من المستمعين العرب -عبر الراديو- الذين ارادوا تبرير ان يكون العربي خاصة الفلسطيني جاسوسا لاسرائيل. اما نتائج الاستطلاع فكانت ان ثلاثة ارباع المشاركين اعتبروها خيانة عظمى, فيما ربع هؤلاء كانوا الى جانب مصعب.
قياسا باستطلاعات سابقة اجرتها ال¯ بي.بي.سي. تابعت بعضها عبر موقعها الالكتروني وكانت قد تناولت الاوضاع السياسية في الدول العربية ومسألة الحريات وقضايا اجتماعية اخرى, ظلت نسبة ال¯ 95 بالمئة هي الغالبة في الاستطلاعات التي كان موضوعها توجيه النقد للحكومات العربية او ضد اسرائيل. ولهذا عندما تابعت الحوار حول الجاسوس مصعب توقعت ان تكون نسبة الرافضين فوق ال¯ 99 بالمئة, لكن الذي حدث هو ان 24 بالمئة مؤيدون له بطريقة او اخرى وهو ما يستحق وقفة تأمل في مثل هذه النتيجة الخطيرة.
معظم الذين ايدوا, لم يكونوا بالطبع مع اسرائيل انما مناهضون لها ولاحتلالها, لكنهم حاولوا ايجاد مبررات لخيانة شخص لم يطعن شعبه وقضية بلاده فحسب انما والده واسرته واقرب المقربين اليه. وهذه المبررات تتراوح بين تقديم الاعذار لشخص اعتقله الاسرائيليون والظروف التي قد يكونون وضعوه فيها لغسيل دماغه واجباره على الانحراف الشخصي والوطني والارتداد الديني.
لكن ما يستوقف المرء بعض التبريرات التي ارادت استخدام قصة مصعب لوضع اللوم على الاوضاع السياسية في الدول العربية, التي ذكرت ان المواطن العربي مهمل ومعزول عن المشاركة في شؤون بلاده. وبالتالي يتصرف احيانا بتطرف ويفعل ما هو غير طبيعي. وقد لاحظت ان ردودا صدرت عن مشاركين, من ما يسمى بدول الممانعة تبرر انحراف مصعب تحت الادعاء بغياب الديمقراطية, وان ردودا اخرى صدرت عن مواطنين ينتمون لدول ترفض التطبيع مع اسرائيل لكنهم يؤيدونه.
هذه الظاهرة, او نتيجة هذا الاستطلاع المحزنة (24 بالمئة يبررّون الخيانة) لا يمكن فصلها عن مناخ عام مسموم تعاني منه المنطقة العربية منذ احتلال العراق. هذا المناخ ساهم في تكوينه سياسيون واعلاميون ومثقفون قدموا المبررات لاحتلال العراق. ورفعوا بقوة فوق رؤوسهم شعارات المحافظين الجدد, بان التدخل الاجنبي هوالمنقذ من الديكتاتورية, ليس لشعب العراق فقط, انما للشعوب العربية كلها, وبعضهم توقع ان ينثر العراقيون الورود امام بساطير قوات الاحتلال فيما تناغمت معزوفات صحافيين ومثقفين اباحوا المحرمات وصوروا الخيانة بانها ليبرالية وتقدم وازدهار.
هناك الالاف مثل مصعب في العراق وفي العواصم العربية يتبجحون بتأييدهم لاحتلال العراق, فأمثاله لم يلتفتوا حتى الى حقائق مقتل اكثر من مليون عراقي وتشريد 4 ملايين وتدمير بلد بالكامل. مع اعادة انتاج جميع مفاسد التاريخ من فتن وثارات واحقاد وعنصرية. صحيح ان الديكتاتورية بلاء مستوطن في العالم العربي, لكن القبول بالاحتلال عار ابدي.
ولان الموضوع يستحق بحثا طويلا لا محل له في مقالة صحافية فاني استخلص من هذه القصة ما يؤشر الى خطورة انكشاف الوعي الوطني والقومي في الدول العربية حيث تراجعت قدسية العلاقة بالوطن, وبالحرية والعزة والكرامة والسيادة. فيما اصبحت الخيانة والتعاون مع المحتلين مجرد وجهة نظر وتمثل 4/1 استطلاع!!.