وزير المالية المُخضرم محمد ابوحمور يقول في "مادبا" قبل يومين ان الدَّيْن وصل الى احد عشر مليار دينار ، وبما معناه ان حصة كل اردني من الدَّيْن هي الف وثمانمائة دينار ، من الطفل الذي عمره ساعة ، الى العجوز الذي عمره مائة عام.
الدَّيْن يتجاوز قانون الدَّيْن العام ، لان قانون الدَّيْن العام يشترط ان لا تتجاوز المديونية ستين بالمائة من الناتج الاجمالي. المديونية تجاوزت هذه النسبة. ستة ملايين اردني سيدفعون ثمن "السياسات الاقتصادية" المتتالية التي اوصلتنا الى هذه المرحلة. حصة الفرد من المديونية هي الف وثمانمائة دينار. وهي حصة مرتفعة بكل المقاييس ، لان الحكومات ستسعى الى تحصيل مزيد من الاموال من جيوب الناس لمواجهه هذا الوضع الخرافي ، الذي وصلنا اليه ، حتى رغم شراء ديون باريس.
هذا يعني ببساطة اننا امام وضع صعب جدا ، وامام اجراءات حكومية لجمع العجز الذي وصل الى مليار واربعمائة وخمسين مليون دينار. الاجراءات ستجمع الملايين لكنها لن تمنع الاقتراض من جديد. وهكذا سنجد انفسنا امام ذات الدوامة. احد الحلول المطروحة والتي تتسرب ، رفع الرعاية ورفع الدعم عن كل ما هو مؤمن مثل مئات انواع الادوية والمستلزمات الطبية ، التي سيصير واجبا دفع ثمنها بعد قليل ، وايضا تحرير اي اشكال للدعم عن فواتير الماء والكهرباء. حتى جرة الغاز التي نتباهى بدعمها لن تصمد في نهاية المطاف ، امام هذا الوضع المأساوي ، والمربك.
السؤال الذي يتردد على ألسن الناس اليوم: لماذا كلما رفعت الحكومات الدعم عن سلعة او قطاع ، تزايد العجز. رفع الدعم يأتي لتخفيف العجز. ما يحدث لدينا هو العكس ، فالسياسات الحكومية خلال السنوات الاخيرة كانت تجلب نتائج غريبة ، فكلما رفعوا الدعم او فرضوا ضريبة على سلعة او قطاع ، من اجل توفير مبالغ مالية ، او جمع مبالغ مالية ، يحدث العكس ، فتزيد المشاكل ، ويزيد العجز ، وتتساقط علينا الديون كسفا من السماء. السياسات الاقتصادية محل مُحاكمة شعبية ، فهذه هي نتائج الخصخصة والاقتصاد الحر ، والاقتراض ، والتخبط. نتائج مأساوية لها نتائج اجتماعية لا يمكن توقعها ابدا.
نتحدث عن بلد محدود المساحة فيه ماء وصخر زيتي ونفط ويورانيوم ونحاس وبوتاس وفوسفات. فيه ارض زراعية. فيه سياحة واثار. فيه كل شيء. لكنه يقف اليوم مخنوقا يتنفس بصعوبة. لماذا اهملنا كل هذه الموارد ، ووصلنا الى هذه المرحلة ، وهل عدد شعبنا يُعجز الحكومات المتتالية الى هذه الدرجة. بلد محدود المساحة. غني. وقليل عدد السكان ولديه كل هذه الثروات يجد نفسه مخنوقا اليوم ، وقد كان يستحق اهله افضل من هذه الظروف وافضل من هذه الحياة ، لو كانت السياسات الاقتصادية المتوارثة ، حكيمة ، ولو كانت تخطط جيدا ، بدلا من هذه المرحلة الصعبة التي تبدأ بالشوارع المتشققة والانارات المطفأة ، وتصل الى حد العجز الكلي عن دفع الاب لرسوم ابنه في الجامعة ، ومابينهما من تداعيات وصلت القطاعين العام والخاص.
الذي نحن فيه تتحمله كل الحكومات السابقة ، وكل الفرق الاقتصادية السابقة ، وكل من ادار الاقتصاد الاردني على طريقة المياومة ، يوما بيوم ، بدلا من التخطيط الاستراتيجي والاستفادة من الموارد ، ومن ايام السعد وتدفق المساعدات والاموال ، علينا. اليوم نحن في مرحلة خطيرة جدا ، سنعاني بسببها على كل الصعد. والمواطن لايعرف الى من يشكو فهو مثل "حبة القمح" التي قيل بشأنها وفي شأن علاقة المواطن مع السياسات الاقتصادية المثل الشهير "لمن تشتكي حبة القمح اذا كان القاضي دجاجة".
الوزير المُخضرم كان شفافا ، غير انها شفافية "الساعة الاخيرة" قبيل الاعلان عن القرارات الصعبة جدا.
mtair@addustour.com.jo