في نهاية كل شهر تبدأ معاناة العديد من أجدادنا وجداتنا وأباءنا وأمهاتنا \" الذين جار عليهم الزمن \" وأخواتنا اللاتي لا حول لهن ولا قوة ، والمنتفعين \" لدريهمات \" تحت مسمى \" معونة \" ، مغموسة بالذل من الشؤون الاجتماعية أو المعونة الوطنية ، ومع طلوع الشمس نهاية كل شهر يبدؤون بالاستهمام لرحلة الطابور الشهري البغيض ، وفي داخلهم يقولون \" الله يلعن الحاجة \" ، ذاك الطابور الذي لم يعيه هؤلاء الأجداد والآباء إلاّ زمن القهر والجوع والحرمان والاستعباد الذي مارسه باشوات الدولة العثمانية على البشر طيلة أربعمائة عام ، رغم اعتقادهم أن عصر الاستعباد قد ولّى من غير رجعة ..!!
مواقف كثيرة وشبه يومية نشاهدها يومياً ، وبصورة باتت شبه مألوفة في مجتمعاتنا من عدم احترام صغيرنا لكبيرنا ، وبات الاحترام \" حسب مفهوم هذه الفئة \" هي المنفعة المتبادلة ، و ما هذه الصورة والمواقف الغير إنسانية بحق كبار السن هؤلاء ، وتلك المواقف التي تتكرر في نهاية كل شهر أمام المكاتب البريدية من الساعة السابعة صباحاً وحتى نهاية الدوام ، هيّ الصورة ذاتها التي سادت أبان الحكم العثماني والاستعمار الغربي ، الذي كانت الشعوب كباراً وصغاراً تقف طوابيراً من الذل والاستجداء من اجل الحصول على حفنة من القمح أو الأرز والتي لم تكن تسد رمق طفل من أطفالهم .
ينتابني شعور مؤلم كما ينتاب الكثير من أبناء هذا المجتمع ممن لديهم خوف من شيخوخة قادمة لا محالة \" إن أمدّ الله بالعمر \" ، من يوم سيتصارع الكبير الذي أفنى العمر و \" المروّه \" من أجل الغير ، مع ذاك الصغير الذي لا زال يختزن قواه بين الضلوع على لقمة العيش كصراع البقاء ..!!
آن الأوان وبعد كل هذا التقدم التكنولوجي أن تتلاشي هذه الظواهر المؤلمة لكبارنا ، وأن نقدم لهم الحد الأدنى من التقدير والاحترام ، فهؤلاء هم الذين أفنوا الغالي والنفيس فداءً للوطن ، وهم الجذر الأصيل الذي تفرعت عنه تلك العقول النيرة والأيدي البيضاء وعلى كافة الأصعدة التي جعلت من الأردن يتمتع بصورته المشرقة والمزدهرة التي هي عليه الآن ... فهؤلاء \" كبار السن هم ذاتهم كبار القدر الذين يجب أن نقدرهم أفضل تقدير ونذهب أليهم ونقبل أياديهم وأن نقدم لهم \" مستحقاتهم \" عن عرق جهدهم ذاك ، الذي ساهم في رفع شأن هذا الوطن ، وليس \" معونة \" من باب العطف والإحسان ، و أن لا نجعل منهم وسيلة استجداء لقوتهم اليومي أمام مكاتب البريد ..!!
وأترك هذه الهمّ الإنساني والأخلاقي بين أيدي ذوات الهمم العالية للمتابعة ، ورفع البأس عن هذه الفئة التي لطالما قدمت لهذا الوطن من عطائها ، والبحث عن أساليب أكثر احتراماً وتطوراً في إيصال \" مستحقاتهم المالية \" إليهم دون المنّ عليهم ، فهذا حقهم الشرعي المكتسب من هذا الوطن وأبنائه لسدُّ عوزهم وللعيش بحياة كريمة ، وأعيدوا المكاتب البريدية لسابق عهدها في نقل رسائل التواصل الحميم بين أبناء هذا المجتمع كبيراً وصغيراً ..!!!
akoursalem@yahoo.com م . سالم أحمد عكور