يئس المدرسون من إصلاحه، فتركوه وشأنه..ولم يعد أحد يكلّفه بواجب ، او يطالبه بمشاركة ، وأعفي من كل شيء حتى التفتيش على الأظافر و(تفلاية) الرأس..كانت تمضي الحصص تباعاً و(مصطفى فغاغا) يمضي وقته ملهياً برسم الدوائر على المقاعد تارة، وتارة يضع القرش أسفل صفحة الدفتر ويمرر عليه قلم رصاص حتى تكتمل الصورة، فيحصل على قرش اضافي لكن من ورق..اما نحن الشطار فقد كنّا نتعب، ونشارك، ونحل الواجبات ونخضع لتفتيش الأظافر والرأس..وفي أحسن الأحيان نحظى بتصفيق مجاني أو كسرة طبشور ملونة..
ذات يوم ودّعنا مدرسنا منتقلاً الى مدرسة أخرى ، وفي آخر الحصة تنبأ لنا بما يراه فينا:
قالي لي: أتنبأ ان تصبح مُقرئاً مهماً مثل (عبد الباسط) و(المنشاوي) و(الطوخي)..صوتك جميل ، وتحفظ ثلاثة أجزاء من القرآن، وتتقن الأحكام..آمل يا بني الا تفسد المراهقة عقلك وصوتك.. ثم التفت لآخر وقال: اما أنت يا وائل فالهندسة طريقك ؛سرعة بديهتك وقدرتك على المسائل الرياضية بأكثر من طريقة ينبىء بذلك ، اما انت يا ماجد يا ابن (الطبيبين) أراك مثل والديك لأن مقدرتك على الحفظ لا تقل عن قدرتك على الفهم، غير ان محيطك الطبي سيجعل منك طبيباً لا محالة..تنهّد قليلاً ونظر الى (مصطفى فغاغا) وهو ملهياً برسم الدوائر وجمع القروش وقال بازدراء: أما انت يا فاشل..فمصيرك معروف (سرّيح مزابل) أو في احسن الأحوال عاطل..ثم غادرنا المعلم والدمع في عينيه متأثراً من وداع النخبة..
وائل: يعمل الآن أجيراً في محل مواد بناء
ماجد: سائق على باص روضة خاصة.
أما مصطفى فغاغا: فقد أصبح رجل أعمال.
ahmedalzoubi@hotmail.com