لم يعد من حل لأزمة الحركة الإسلامية سوى الانقسام، وإذا جرى هذا الانقسام اليوم بالتراضي فسوف يوفر الفريقان الوقت والهدر والنزف، ويتجنبان الانهيار والانقراض وفي أحسن الأحوال فسوف يصلان إلى الحل نفسه، ولكن بعد وقت طويل يضيع في الصراع الذي لا يبدو أن ثمة أفقا لحله أو للتوافق أو لتقريب وجهات النظر، أو للعمل المشترك، فالخلاف بين الفريقين أصبح جذريا وكبيرا وراسخا، ولا مجال لحله أو التفاهم بشأنه، ولم يعد ذلك سرا أو يحتاج لتحليل وتوضيح.
هناك فريق في الحركة الإسلامية يريدها مظلة سياسية ومؤسسة اجتماعية رديفة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، ولا يرى في العمل السياسي والعام سوى فرص الحماية والدعم لأشخاص وفئات وأعمال في الأردن والعالم، وهي فكرة وإن كانت مشروعة وجميلة في كثير من الأحيان فإنها تنشئ تناقضات سياسية وقانونية وبرامجية، ولا بأس على أية حال بالمشاركة بين الأهداف والحالات والساحات والتطلعات والتحديات، ولكن لا يجوز لفئة لا ترى في الحركة الإسلامية سوى مرفق عام للحماية والإيواء والتغطية أن تضعف هذه المرفق وتسعى في تدميره وإفساده إن لم يكن خالصا لها.
لا بأس أن تكون جماعة الإخوان المسلمين في الأردن جماعة اجتماعية دعوية تسعى في الإصلاح والتأثير، وتستوعب على نحو قانوني وواضح متطلبات واحتياجات إنسانية واجتماعية تتجاوز حدود المواطنة والجغرافيا الأردنية، ويمكن أن يتم ذلك بعلم وتنسيق ودعم أيضا مع السلطات التنفيذية والمؤسسات الاجتماعية المختلفة، ولكن ليترَك حزب جبهة العمل الإسلامي حزبا سياسيا يسعى للمشاركة والعمل والتأثير وفق تقاليد العمل السياسي الحزبي والقوانين المنظمة للعمل السياسي، وبما أن قوانين الأحزاب والانتخاب في الأردن تسمح بالترشيح والعمل النيابي المستقل عن الأحزاب، ففي ذلك سعة ومجال كبير للعمل المستقل أو للجمع بين العمل الاجتماعي والدعوي وبين العمل النيابي، وهذا يدع المجال واسعا ومتاحا ليمضي كل اتجاه أو مجموعة أو فكرة في مجاله الطبيعي والقانوني، ولا يبقى هناك مبرر للاستحواذ والهيمنة على جميع الأعمال والمؤسسات والمرافق حتى لو كان يصعب أو يستحيل الجمع بينها، وينهي المعركة والمطاردة المستمرة والمتواصلة منذ عام 1990 بلا توقف ولا رحمة ولا "إلا ولا ذمة"، وهكذا فيمكن أن يستقل الراغبون في العمل السياسي وفق مدخلاته المتاحة، والتأثير في التشريعات والاتجاهات السياسية للبلد، والمشاركة في الحياة العامة والتنمية والإصلاح فيكون لهم حزب جبهة العمل الإسلامي، ويتجمع الذين يرون الأولوية المركزية في تحرير المقدسات وأن تكون كلمة الله هي العليا واستئناف الحياة الإسلامية في جماعة الإخوان المسلمين، .. "ولكل وجهة هو موليها".