التشكيلات الادارية التي تتم بين الحين والاخر في مختلف الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية, قد تكون امرا طبيعيا لا بد منه بين فترة واخرى من اجل تجديد الحيوية في الجهاز الحكومي, واتاحة الفرصة نحو التغيير وضخ دماء جديدة في القيادات المختلفة على مستوى المدراء ورؤساء الاقسام وغيرها, الا ان ما يشوبها في بعض الاحيان هو التسرع في اتخاذ القرارات المتعلقة بالموظفين ذوي العلاقة من دون ان يتم اعتماد الاسس القانونية والاجرائية اللازمة في تحديد مصير المشمولين بقوائم التعيينات والتنقلات وما الى ذلك من شؤون وظيفية.!
الامر الاخر الذي يتبين بعد صدور التشكيلات في بعض الاحيان ان وراء الاسماء التي ظهرت على السطح في مواقع متقدمة لم يكن الاهلية والكفاءة واثبات الجدارة في الملف الوظيفي, وانما عوامل اخرى بعيدة عن ذلك تماما مثل تدخلات الوساطة التي تكثر في مثل هذه الحالات, او تقريب المحاسيب والازلام من الطاقم المحيط بالمسؤول الاول, ليكون جاهزا في خدمته والترويج لسياساته حتى لو كانت في غير مصلحة الجهة الرسمية التي يمثلها, في الوقت الذي يحتاج الى كوادر فاعلة ومؤثرة اكثر منها مطبلة ومزمرة.!
يرافق ذلك ايضا طائفة ممن يمكن اعتبارهم من المظلومين الذين يقعون ضحايا في التشكيلات الواسعة او حتى المحدودة, لان اي تقديم بغير وجه حق لمن يعتبرون ضمن الدائرة الضيقة لهذا المسؤول او ذاك لاعتبارات مختلفة, سيكون على حساب الاخرين من زملائهم الذين وصلوا الى المكانة المتقدمة, من خلال سجلهم الوظيفي النظيف والمشرف, الذي اكتسبوه نتيجة تراكم خبارتهم وتفانيهم في اداء المهام الموكلة اليهم, خاصة اذا ما كانت القرارات المتخذة في هذا الشأن تشوبها علامات استفهام كثيرة.!
من هذا المنطلق فان نسبة كبيرة ممن يلجأون للطعن لدى محكمة العدل العليا من اجل انصافهم في قرارات يرون انها متعسفة بحقهم, تكون الاحكام الصادرة في صالحهم وتدين المسؤول الذي كان قد اتخذها بلا اي روية او استشارة قانونية وادارية تراعي الاسس التي ينبغي اعتمادها في التعامل مع جهاز الخدمة العامة, الذي تحدد القوانين والانظمة طريقة التعامل معه, حتى لا تكون الاجراءات نابعة من حسابات السلطة الانية التي تتيحها اعتبارات المسؤولية للمنصب الحكومي ايا كانت درجته, وهنا تثور تساؤلات مشروعة حول الدور الذي يفترض ان تقوم به دوائر الشؤون القانونية والرقابة الادارية في التنسيب لصاحب القرار بالاجراءات السليمة, الا اذا كان لا يكلف نفسه باستشارتها على الاطلاق.!
المسؤولية امانة وهذا ما يقتضي من كل من يتحملها ان يراعي المصلحة العامة في جميع القرارات التي يتخذها سواء تعلقت بالخدمات المقدمة للمواطنين, او في الجهاز الاداري الذي يتولى شؤونه, وعليه ان يعرف ان من حق الاخرين ان يطعنوا فيها لدى محكمة العدل العليا اذا ما تعرضوا للضرر, خاصة ان وثائقها تتضمن سيلا لا ينقطع من القرارات الخاطئة التي تم تصويبها, وكان يمكن تلافي ذلك من حيث المبدأ, لو كان بعض المسؤولين يلمون بابسط القواعد الاجرائية في حال اصدار تشكيلاته الادارية.!0