زاد الاردن الاخباري -
القدس العربي ـ من بسام البدارين ـ
لسبب او لآخر ينتقل صالح قلاب وزير الاعلام الاردني الاسبق من خصم شرس للاسلاميين لا يكتفي بانتقادهم في كل المواسم انما يدعو الى استئصالهم من المشهد ويتهمهم بالسعي لبناء دولتهم داخل الدولة الاردنية، الى مسؤول مغرق في الوداعة يشتكي بلطف من احجام قادة التيار الاسلامي عن الظهور على شاشة التلفزيون الحكومية التي يديرها بعدما اتاح لهم الفرصة.
ولنفس السبب الغامض يتحول القلاب نفسه من كاتب متشدد جدا مع حركة حماس الى مدير تلفزيون يعتبر علنا "اظهار احد قادة حماس" على شاشته منجزا مهنيا حصل في عهده لكي يوحي ضمنيا بأن الادارة تراعي الاصول المهنية وتلتزم - وهذا الأهم - بتعهدات رئيس الحكومة العلنية بخصوص فتح الشاشة اليتيمة في البلاد لجميع الاراء.
وبقدرة قادر ينتقل الرجل الثاني في الحكومة رجائي المعشر من خبير اقتصادي شرس في مواجهة فاتورة الاصلاح بنسخته الامريكية معبرا عن نفسه طوال عشر سنوات كمنصة اطلاق على شكل جبهة تعارض التوجهات الليبرالية التي "ستبيع الاردن" وترهق الشعب، الى مسؤول في الحكومة مطالب اولا بتقييم "مقترحات خاصة" تفاوض بشأنها خمسة وزراء مع وفد امريكي رسمي وفقا للصحيفة التي كان يديرها ويمتلكها.
وثانيا ـ وقد يكون الأهم - بوضع خارطة توصيف للحصول على افضل علامات ممكنة من اصحاب الوصفات الامريكية حتى لا تتأثر المساعدات.
صالح قلاب بين اسطر مقابلة صحافية يقدم تنازلات منهجية ملموسة للخصوم الذين اسس مجده على التناقض معهم واستهدافهم باحثا عمليا عن "الشرعية المهنية" عبر تكتيكات تلفزيونية تحاول تنويع قائمة الضيوف الذين سمعهم الشعب آلاف المرات ومل منهم.
وابو صالح (كنية المعشر) يتحول من منصات المعارضة الشرسة للوصفات التي حكمت طوال العقد الماضي الى شخصية وزارية موثوقة تظهر على الشاشة العامة لكي تقوم "بتبليع" الاردنيين كلفة الازمة الاقتصادية بالقطعة واستنادا الى نفس ادبيات ولغة ووصفات الليبراليين.
نفس المشهد من زاوية ابعد يمكن رصده لكن بشكل اوضح.. ينتقل رئيس الوزراء الاسبق نادر الذهبي من حالته القديمة المتمثلة برئيس وزراء يحكم نحو عامين بدون التعرض له صحافيا او برلمانيا ولاسباب مفهومة، الى عضو كغيره في مجلس الاعيان تواجهه صعوبات في ترشيح نفسه لرئاسة اللجنة المالية والاقتصادية للمجلس ولا يحظى بالغطاء اللازم فيتطلب الامر تدخلا من عدة شخصيات بينها طاهر المصري "لتطييب خاطره".
بنفس الدرجة يحكم عبد الهادي المجالي امبراطورية من النفوذ والتأثير داخل مساحة الاغلبية في البرلمان السابق، وفيما يرتب الرجل اوراقه مع كتلته العملاقة للبقاء متربعا على سدة رئاسة السلطة التشريعية يستمع مع المشاهدين للاذاعات وتقارير الاعلام وهي تتحدث عن حل مجلس النواب والترتيب لمرحلة جديدة في حياة البلاد.
حصل ذلك قبل ان يتفاجأ الجنرال المجالي مع الآخرين ايضا بأن ستة اعضاء في تياره البرلماني كانوا في الواقع ممثلين لحزب آخر تماما من جنس مختلف وهو حزب الوسط الاسلامي كما اعلن منظره الابرز مروان الفاعوري.
قبل ذلك وعلى المستوى الوزاري حصلت "تحولات" في مواقف ووجدان النخب لا يمكن تجاهلها عمليا فموقع "الناطق الرسمي" فرض بصماته الكلاسيكية تماما على الشخصية المهنية والسياسية للدكتور نبيل الشريف ولم يحصل العكس.
الرجل الذي كان صحافيا في الميدان انضم لقافلة الناطقيين، واحيانا تظهر مستلزمات الموقع في المبالغة او التلويح بالتهديد او ابتلاع نصف المعلومة واطلاق تعليقات محافظة جدا ومعلبة للغاية دفاعا عن قرارات او مشاريع او افكار غير ديمقراطية او اصلاحية.
الانطباع السائد ان الرفاعي رجل بارع في "التوظيف السياسي" وان وظيفة الشريف هي حصريا "الاشتباك" مع ضحايا مدونة السلوك الاعلامية وحيدا وبدون مساندة من القوى الفاعلة في الحكومة والدولة ومجلس الوزراء، وبوضوح يقوم الرجل بالمهمة بكفاءة حتى وصل الامر لاستقبال المحاكم قضايا رفعها ضده صحافيون قبل وبعد تنازله شخصيا عن قضية رفعها هو على احد العاملين في الصحافة مجاملة للرئيس الرفاعي.
وهذه المفارقات في الانقلابات والتحولات عن حالة الماضي ليست مقتصرة على الوزير الشريف فقط، فوزير الداخلية نايف القاضي توقف عن اصدار التصريحات التي يتهم فيها جهات غامضة في الداخل والخارج بالتآمر على البلاد والعباد لصالح اسرائيل.
وآخر تجليات تلفزيون الحكومة تظهر بان المستشار السياسي لرئيس الحكومة سميح المعايطة بدأ "ينوب" عن القاضي تدريجيا في هذه المهمة ويقول كلاما كلاسيكيا عن ارتباطات جهات محلية بالخارج لم يكن يقله عندما كان كاتبا صحافيا، في مفارقة اشار لها عمليا قريبه الوزير موسى المعايطة الذي تحدث في احتفال شبابي مدني وبصورة علنية عن صعوبة اطلاق العنان للقناعات الشخصية عندما يكون المرء في موقع المسؤولية.
ولم يعد سرا بسبب التطرق له عدة مرات القول بان 13 وزيرا عبروا بين حكومتي الذهبي والرفاعي لم يتنطح اي منهم للرد والتوضيح او حتى التعليق على التهمة التي يوجهها الجميع داخل وخارج الوزارة لحكومتهم ابان الذهبي بخصوص توريط البلاد بارقام وحسابات غير دقيقة لموازنة العام الحالي المالية، فلم يسمع اي صوت من هؤلاء رغم فداحة وحجم هذه التهمة ودائرة الصمت هنا شملت حتى وزير مالية الذهبي الدكتور باسم السالم.
وليس سرا ان هذه المفارقات الوزارية والنخبوية هي التي توتر الاجواء وتصنع التجاذب في الحياة السياسية الاردنية فهي مغذية لايقاع حركة الصالونات والاوساط السياسية لكن احدا لا يريد القول بان الاشخاص من سكان الطبقات العليا في المجتمع الاردني يغيرون مواقفهم بسرعة وبدون حسابات للكلفة وحسب البوصلة.
الاهم شعور خبراء صناعة مشاهد من هذا النوع بان هذه التحولات سواء في المواقف السياسية او الاحوال الشخصية محكومة عن بعد برابط مركزي له بالضرورة اهدافه العميقة وهو ان هذه التحولات والتقلبات حصلت وتحصل وستحصل في مرحلة حكومة الرئيس سمير الرفاعي، فأي سحر يملكه هذا الرجل الذي اطلق عليه الصحافي نضال منصور اسم "العنكبوت" ليصل بين جميع هذه الخيوط؟... السؤال الاهم الى اين ستصل هذه الخيوط؟