زاد الاردن الاخباري -
كشفت دراسة صحيّة جديدة لم تنشر تفاصيلها بعد، انتحار 12 مواطنا منذ بداية العام. وأكد الخبير في الشأن الصحي الدكتور حسين خزاعي معدّ الدراسة في تصريحات لـ"السبيل"، أن الانتحار في الأردن "بدأ يأخذ أشكالا أكثر وحشية في التخلص من النفس".
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو مليون شخص يموتون سنوياً في العالم نتيجة الانتحار، بمعدل منتحر لكل دقيقة.
وتقدر المنظمة أن محاولات الانتحار تفوق هذا الرقم، بما قد يبلغ 20 ضعفا. ويمثل التصرف المذكور وفقا للمنظمة عاشر أسباب الموت عامة، وثالثها بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و44 عاما.
ويقول خزاعي: "ما يثير القلق ويدق ناقوس الخطر، هو زيادة عدد حالات الانتحار التي تمت بشكل كامل منذ مطلع العام، حيث بلغت (12) حالة لتاريخه، كما أن العدد المشار إليه هو بين الاردنيين فقط، فضلا عن حالات الانتحار من العرب والأجانب المقيمين في المملكة، بالإضافة إلى الخادمات الآسيويات".
ويضيف: "الرقم الجديد يعبر عن تحول كبير في عدد الحالات، ونوعية طرق الانتحار، فالعدد قبل خمس سنوات لم يتجاوز الـ(20) حالة طيلة العام".
الأمر المقلق أيضا بحسب صاحب الدراسة، هو أن طرق الانتحار بدأت تأخذ أشكالا أكثر عدوانية وجرأة في الإقدام على قتل النفس، وإيذاء الجسد، وتعذيب الآخرين.
ويؤكد خزاعي أن الحالات (12) التي تمت، (6) منها استخدمت طريقة الشنق, و(3) حالات مارست الانتحار بالقفز من فوق بنايات عالية، و(3) أخرى تناولت كميات كبيرة من العقاقير. وهم بحسب الدراسة ست فتيات وستة ذكور، جميعهم تقل أعمارهم عن الأربعين عاما، منهم طالبة جامعية، وشاب لم يتجاوز عمره الثامنة عشرة.
ويوضح خزاعي أن 90 % من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية، كالاكتئاب والفصام والإدمان. وإن 65 % منها تعود الى عوامل متعددة كالتربية، وثقافة المجتمع، والمشاكل الأسرية، والعاطفية، والفشل الدراسي، والآلام والأمراض الجسمية، أو تجنب العار.
وبحسب الدراسة فإن عدد حالات الانتحار السنوي في المملكة يتراوح بين (30-65) حالة، في حين تقدر محاولات الانتحار الفاشلة بحدود 400–500.
وتدعو الدراسة إلى إنشاء مركز لمعالجة وتأهيل ومتابعة كل من يحاول الانتحار. ويقول صاحبها: "هنالك حاجة ماسة لإنشاء مثل هذا المركز، لاحتواء الحالات وعدم تسليمها الى ذويها إلا بعد الشفاء تماما من الأسباب التي دفعتها لارتكاب محاولة الانتحار، خوفا من إعادة المحاولة مرة أخرى".
ويزيد: "الأردن يفتقر إلى التدخل المهني والعلاجي لمثل هذه الحالات، فالعلاج غير موجود لمحاولي الانتحار، إذ تقوم الجهات المعنية بتسليمهم إلى ذويهم، من دون أن يتم عرض الحالة على طبيب نفسي مختص، يتابع إعادة تأهيلها والإشراف على علاجها".
ويشير خزاعي إلى أنه لا يوجد سبب واحد للإقدام على الانتحار، فهو "نتيجة تفاعل سلسلة من العوامل تدفع بالشخص الى تدمير وإنهاء حياته، ولذلك يعتبر من الصعب جداً وضع أسباب محددة للظاهرة".
ويلفت إلى أن الدراسات القديمة والحديثة، أجمعت على تضافر العوامل النفسية والاجتماعية والطبية فيما بينها لحدوث الفعل الانتحاري.
وتعتبر الأمراض النفسية والاضطرابات العصبية والذهنية من المسببات الرئيسة للانتحار على حد قول خزاعي. لكن "هنالك أزمة نرجسية يعاني منها الفرد، تتجلى في اضطراب التوازن عنده بين العالم المثالي المنشود، والعالم الواقعي المعيش".
ويوضح صاحب الدراسة أن "التفكك الأسري من أهم الأسباب المؤدية للانتحار, والبيت المحطم يعني الأسرة أو العائلة المفككة الأوصال والمتنافرة الأفراد، فغالبية المنتحرين في العالم هم ممن فقدوا والديهم قبل سن الخامسة".
ويتابع: "انعدام الحوار الأسري، وضعف الوازع الديني، والبعد عن الأخلاق والقيم والسلوكيات الإسلامية السليمة التي تهذب النفوس، وتجنبها الانزلاق في المخاطر، تعتبر من العوامل الأخرى التي تتسبب بالانتحار".
ويدعو خزاعي إلى حماية الفرد من محيطه الخارجي، وتوفير الرعاية الطبية والنفسية له، والمراقبة الدائمة وعدم المبالغة في اللوم أو استخدام العنف حتى لا يكرر السلوك الخاطئ، بالإضافة إلى الترفيه والترويح عن القلق، وتأسيس علاقات تتسم بالهدوء والتفهم الكامل له، من قبل المعالج او المشرف على التأهيل النفسي والديني والاجتماعي.
وفي السياق ترى وزارة الصحة أن الانتحار في الأردن غير مرتبط بمواسم أو فصول معينة، مؤكدة أن “الظروف الاجتماعية والمالية وأحياناً العاطفية تشكل الدوافع الأبرز للإقدام على الانتحار".
وبيّن استشاري الطب النفسي الدكتور وليد سرحان في تصريحات صحافية، أنّ أكبر أسباب الانتحار لدى الأردنيين هي الاكتئاب، ثم الانفصام العقلي، والخلل التفكيري والمعرفي بالدماغ. ويشير سرحان إلى أنّ نسبة الانتحار في العالمين العربي والإسلامي منخفضة مقارنة مع الدول الأجنبية، عازياً ذلك إلى وجود “الحافز الديني والأخلاقي”.
ويرى سرحان أنّ أول الحلول لظاهرة الانتحار “يقع على عاتق الأسرة”، وذلك من خلال “مراقبة تصرّفات وردّات فعل أبنائهم وبناتهم، ومراقبة أفعالهم ونفورهم واستجابتهم للمتغيرات في الحياة”، مضيفاً أنّ للمدرسة والجامعة دوراً في هذه المراقبة. كما يشدّد سرحان على دور علماء الدين والفكر، والأجهزة المختصة في محاولة احتواء حالات الانتحار في المجتمع.
يشار إلى أن إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة الصحة، أكدت أن أعداد المصابين بأمراض نفسية مختلفة في المملكة، تقدر بحوالي مليون ونصف المليون شخص.
السبيل