يعتصر ني الألم والحنق والقهر وأنا اكتب بسبب كارثة انهيار عمارة الموت في وادي السير التي راح ضحيتها مواطنين كادحين شرفاء أبرياء كانوا يعملون في سبيل توفير لقمه خبز حلال لهم ولعائلاتهم , انهم حقا شهداء سحقهم الموت وهم غافلين وعلى حين غرة , لقد سقطوا بسبب الجشع والطمع والغش والتدليس من قبل مقاول لا يخاف الله ,وليس لدية وازع من ضمير يردعه في طريق سعيه للربح السريع وتحقيق أحلامه في الثراء والثروة , مهما كانت الوسائل على مبدأ ميكافيلي ( الغاية تبرر الوسيلة), أقول رحمهم الله جميعا في واسع رحمته وأن يلهم ذويهم ومحبيهم الصبر والسلوان ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى وإنا لله وإنا إلية راجعون ..... واوجه آلف تحية وشكر وتقدير للنشامى الأبطال رجال الدفاع المدني والأمن العام وأمانة عمان لما بذلوه من جهود جبارة خيرة مخلصة في عملية إنقاذ الجرحى و إخلاء ختامين الشهداء من تحت الأنقاض بسرعة قياسية .... مما يجعلنا نطمئن بأن الدنيا ما زالت بخير ....وإن الخيرين المخلصين مازالوا موجودين ....
ولكن.... ألا يدفعكم الفضول وحب البقاء والاستطلاع أيها الاخوة القراء الأعزاء كما يدفعني بسبب الخوف مما يخبئه لنا المستقبل ... في أن نتساءل عن .... كم مقاولا بين ظهرانينا فعل ( فعلة) ما فعله هذا المقاول..... (في سبيل إشباع شهوته للكسب المادي السريع )؟؟؟؟.... وكم عمارة مماثلة مرشحه للانهيار مستقبلا أو توشك أن تنهار ....بعدما يفقد ما فيها من الأسمنت القليل وحديد التسليح الضعيف قوته وصلابته ؟؟؟؟....وكم أرواحا ستزهق ربما تكون أرواحنا ( نحن) عندما نكون هناك مصادفة ؟؟؟......
صدقوني أن هنالك مافيا حقيقية في سوق العقار حدث عنها ولا حرج .... تجار وسماسرة ومقاولين ومهندسين وموظفين حكوميين وغيرهم ....يعيثون في الأرض فسادا ولا يوجد من يردعهم ... أنا شخصيا اكتشفت بعض ذلك حينما هممت ببناء بيتي الصغير في العام 1993, فقد طلبت مني البلدية حينها مخططات للبناء عن طريق مهندس مرخص , فقمت بذلك عن طريق مساح البلدية ( الذي مات فيما بعد ) بعدما قيل لي من بعض الأقارب والأصدقاء ( انه إذا بدك المعاملة تمشي ) فمن الأفضل لك أن يكون المخطط عن طريق المساح حتى تضمن تسهيل الإجراءات اللاحقة , وكان المبلغ المطلوب اكثر من (300) دينار , فذهبت للمساح في مكتبة بدار البلدية وكان في المكتب المقابل مندوب ديوان المحاسبة , فخفت أن أعطى المساح المبلغ أمامه , ولكن المساح قال ( هات ولا يهمك ) ...(وما زلت اعتقد أن ذلك المبلغ اخذ مني دون وجه حق)....المهم حصلت أخيرا على المخطط وباشرت البناء و أشرفت عليه بنفسي ........ولم أشاهد المهندس أبدا ....هذا ما حصل معي و حصل مع الكثيرين بالتأكيد , منهم أخي الذي دفع عام 1995حوالي (1000) دينار للحصول على ........المخطط العتيد الذي لا ينفذ أصلا !!!! .....طبعا هذا يحصل بسبب قانون جائر يجبر المواطنين على دفع هذه (الخاوة )للمهندس ولنقابة المهندسين ...ولا يوجد إشراف حقيقي وخاصة على البيوت الشعبية. .....
فما بالكم في هذه الأيام ونحن نواجه حالة ( سعار) عام ومرض خطير اسمه الجشع والطمع وحب المال والثراء , بشتى السبل والوسائل وأسرعها وأسهلها عن طريق الغش والخداع والتدليس أحيانا كثيرة , ....انه وباء (الفساد )الذي يتوالد ويتكاثر وينمو بحيث أصبحت السيطرة علية شبه مستحيلة ...حيث أصاب جميع مفاصل حياتنا ونخر في أجسامنا وعظامنا ..... وتسبب لنا انهيارا حقيقيا في منظومة القيم والمثل والعادات والتقاليد ومورثنا الديني والأخلاقي ... وجعل منا (مسوخا )وحيوانات تبحث عن إشباع غرائزها فقط .....علينا أن نعترف جميعنا أننا نواجه هذه الحالة المرضية المستعصية .....فعل وعسى أن نجد حلا ؟؟؟؟.
طلب عبد الجليل الجالودي
talabj@yahoo.com