زاد الاردن الاخباري -
البطلان الدستوري لقرارات مجلس النواب في قضايا الفسادغريب أمر مجلس النواب !! فالخلل في تطبيق احكام الدستور وتعديلاته التي أقرها بنفسه قد بلغ مداه وتجاوز حدود المعقول واصبح مادة لفكاهة وتندر الشارع الاردني وطريقا ممهدا لكفر المواطن السياسي بالنظام .. مجلس النواب تجاوز حدود صلاحياته الدستورية وتحديدا نص المادة ( 56 ) والتي تورد الحكم التالي " لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب المبررة لذلك ولا يصدر قرار الإحالة إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب " ..فصلاحيات المجلس تنحصر في احالة الوزراء الى المحاكمة امام القضاء لمساءلتهم عن الجرائم الناشئة عن القيام باعمالهم كوزراء لا اجراء محاكمتهم عن شبهات الفساد والتي جرت فعليا وعلى وجه الحقيقة داخل المجلس بغض النظر عن أية حالة توصيف حاول النواب صبغها عليها من حيث الشكل لا المضمون ..ومن هنا فلا يصح او يجوز دستوريا ان يتصدى مجلس النواب الى اصدار الاحكام بشأن الاتهامات بالفساد وكان الخطأ منذ البداية احالة ملفات الفساد الى اللجنة القانونية في المجلس وكان من الأصوب دستوريا احالة الملفات للجنة المالية والاقتصادية التي تبحث فيما اذا كان هنالك تجاوزات مالية توجب الاحالة للقضاء ..اما تصدي اللجنة القانونية للبحث فيما اذا كان هنالك مخالفة لاحكام المواد الجزائية فهذا استصدار للحكم من جهة لا تملك الصلاحية او الولاية ابتداءا .. واذا اردنا الحديث بصراحة اكبر فقد كان من الخطأ احالة هذه الملفات برمتها لمجلس النواب وكان حريا بالنيابة العامة التصدي لها ..واما ما هو غريب ومستهجن هو الايهام للعامة بأن لمجلس النواب فقط وعلى سبيل الحصر له الحق في اتهام الوزراء بخلاف النص الدستوري الذي منح المجلس صلاحيات الرقابة التكميلية على اعمال الحكومة في الاحالة للنيابة العامة لغايات المحاكمة .. ودليل ذلك ان المادة ( 55 ) من الدستور لم تقيد او تربط هذه الصلاحية بمجلس النواب على سبيل الحصر بل جاءت الصلاحية بدون ( ال ) التعريف لتقول " لمجلس النواب حق اتهام ..... " وهذا يعني بقاء الاصل على ما كان عليه من ان السلطة القضائية صاحبة الحق الاصيل في محاكمة الوزراء وتجري الملاحقة الجزائية مباشرة من خلال المدعي العام أو من خلال الأحالة من مجلس النواب ولو اراد المشرع حصر هذا الحق بمجلس النواب لكان نص المادة " لا يجوز احالة الوزراء للمحاكمة امام القضاء بدون قرار يصدر عن اغلبية اعضاء مجلس النواب .... الخ " ..باستقراء مجموع النصوص الدستورية نجد ان هذا الحق كصلاحية وولاية اصيلة تنحصر في القضاء الاردني ولكن المشرع ولغايات تشديد الرقابة على الحكومة واعمال الوزراء فيها منح هذا الحق كذلك لمجلس النواب ولا يعني ذلك بحال سحب هذه الولاية او الصلاحية من يد القضاء ووضعها في يد مجلس النواب باعتبار ذلك تغولا من سلطة على أخرى وممارسة صلاحية القضاء من جهة غير ذات اختصاص كما لا يمكن بحال تفسير النص باعتباره احد القيود التي ترد على النيابة العامة في تحريك دعوى الحق العام لان النص والتعديل الدستوري وضع أساسا لتجاوز هذه الثغرة وكسر هذا القيد ..ان منح مجلس النواب حق احالة الوزراء للنيابة لا يعدو كونه حق دستوري اداري رقابي تكميلي ولا يجوز تفسيره على انه عدم جواز ملاحقة الوزراء الا من خلال المجلس او انه حق ملاحقة جزائية وتحقيق واتهام وبالنتيجة اصدار احكام لان في ذلك مخالفة لصريح نصوص الدستور واصدار احكام من جهة غير مختصة ولا تملك الولاية العامة بهذا الشأن ..هذا وقد اناط الدستور الولاية العامة بذلك دون قيود للقضاء الاردني سندا لاحكام المادة ( 102 ) من الدستور والتي تنص على " تمارس المحاكم النظامية في المملكة الاردنية الهاشمية حق القضاء على جميع الاشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية بما فيها الدعاوي التي تقيمها الحكومة او تقام عليها باستثناء المواد التي قد يفوض فيها حق القضاء الى محاكم دينية او محاكم خاصة بموجب احكام هذا الدستور أو اي تشريع آخر نافذ المفعول " ..واما دليله فهو ما ورد في نص المادة ( 55 ) من الدستور والتي تنص على ما يلي " يحاكم الوزراء على ما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم أمام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة وفقاً لأحكام القانون " فلو أراد المشرع ان ينعقد الاختصاص لمجلس النواب بهذا الشأن لأنشأ محكمة خاصة داخل المجلس لهذه الغاية تقوم باصادر الاحكام القضائية بحق الوزراء ..أذن نحن امام حالة بطلان دستورية فاضحة وصريحة لاجراءات وقرارات مجلس النواب بخصوص جميع الملفات التي نظرها والمتعلقة بتهم الفساد الخاصة بالوزراء فالمشرع لا يلغو ولا يعبث في الدستور أو النص ولابد من الألتفات لمسألة غاية في الأهمية متعلقة بمساءلة الحكومة الحزبية البرلمانية التي نحن مقبلون عليها ..فأجراءات مجلس النواب تشرع لحالة شاذة دستوريا وقانونيا وسياسيا تجعل من الحكومة الحزبية البرلمانية بمنأى عن المساءلة امام القضاء ويكاد يكون من المتعذر او المستحيل الوصول لمرحلة المحاكمة امام القضاء لان الحكومة مولودة من رحم المجلس وهذا بالطبع ما لم يقصده او يرم اليه المشرع ويتعبر عقبة كأداء حقيقية في الأصلاح والتطور السياسي ومعالجة الفساد لا مكافحته ..أما أكبر دليل على ما أقول فهو أن النيابة العامة لا تتقيد بأي تكييف أو اسناد جرمي وارد من مجلس النواب بمواجهة الوزراء فقد تقوم النيابة العامة بمنع محاكمتهم فيما لو قرر المجلس احالتهم للنيابة العامة لملاحقتهم باعتبار أن الفعل لا يشكل جريمة أو قد تجد النيابة ان الفعل مشمول بالعفو العام أو قد تقوم باضافة المزيد من الاسانيد الجرمية في عملية الملاحقة وذلك وفقا لما تراه جهة الاختصاص صاحبة الولاية العامة دستوريا وقانونيا كما ان الوزير لا يتم وقفه عن العمل الا بصدور قرار النيابة بالاتهام او الظن سندا لاحكام المادة ( 57 ) من الدستور والتي تورد الحكم التالي " يوقف عن العمل الوزير الذي تتهمه النيابة العامة اثر صدور قرار الإحالة عن مجلس النواب ......... " .. وعليه فأن الباب لا يزال مشرعا على مصراعيه لممارسة النيابة العامة دورها الطبيعي وممارسة سلطاتها القانونية واعمال ولايتها الدستورية القانونية القضائية العامة في ملاحقة الوزراء وصولا لاحالتهم للمحكمة المختصة دون الرجوع الى مجلس النواب ودون الحاجة الى صدور قرار احالة للنيابة من المجلس أو اذن منه لأن التعديلات الدستورية لم توقف الملاحقة على الاذن أو الطلب أو الأحالة وصدور ذلك من مجلس النواب ..ومن هنا فاطالب النواب الكرام الذين صوتوا لاحالة الوزراء المتهمين في قضايا فساد ان يبادروا الى تقديم الشكوى لمدعي عام عمان مباشرة مرفقا بما لديهم من أدلة وهذه الدعوة مفتوحة للحراك الشعبي واحزاب المعارضة للقيام بهذه المهمة على سبيل الاخبار ان كانوا صادقين مع انفسهم بعيدا عن شعارات وهتافات لن تضر الفاسدين شيئا ولا ينطبق عليها الا المثل ( أشبعتهم شتما وفازوا بالأبل ) ..مناشدة ونداء الى الاردنيين الرجال الشرفاء أن توكلوا على الله تعالى وتحلوا بالشجاعة وتوجهوا بما لديكم من أدلة ووثائق ومستندات ومعلومات أيا كان شكلها لمدعي عام عمان وانفضوا أيديكم مما سواه ..المحامي بشير المومنيBasheerlawyer@yahoo.com