زاد الاردن الاخباري -
هل يولد بعض الناس بشخصيّة قوية بينما يولد آخرون بشخصيّة ضعيفة؟ أو أن القوة والضعف هنا اكتسابيان؟
لا شك أن هنالك من يولد في ظروف تجعله أقوى شخصية من غيره، فكما يرث أحدنا الصفات الجسدية لآبائه وأمهاته مثل لون بشرته، وتقاسيم وجهه، كذلك فإنه يرث صفاتهم النفسية بنسبة معينة، ولكن ذلك لا يعني أن من لم يرث قوة الشخصية من آبائه فإنه لا يمكنه اكتسابها.
فليست الصفات التي نرثها كلها من النوع الذي لا يمكن تبديله أو تغييره، ولا من النوع الذي لا يمكن الإضافة إليه بشكل أو بآخر. فظروف الحياة، والتجارب التي يمر بها الإنسان، وتصمميه الجاد، وقوة إرادته، كلها تشكل عوامل تدفعه إلى زرع الصفات التي يرغب بها في ذاته لتنمو في شخصيته.
وهذا يعني أن ضعاف الشخصية يمكن أن يصبحوا بمرور الزمن أقوياء، كما يمكن أن يولد أشخاص أقوياء في شخصياتهم من جهة الوراثة، ولكنهم بفعل الظروف الاجتماعية والعائلية يفقدون قوة شخصيّتهم إلى درجة كبيرة.
إن النظر إلى الواقع العملي يكشف عن أن الأكثرية من أقوياء الشخصية هم من الذين اكتسبوها من خلال الخطوات العملية التي مارسوها في حياتهم وليس من خلال عوامل الوراثة، وأنهم كانوا يعانون من الضعف في فترات سابقة من حياتهم.
وهذا يعني أن لكل إنسان حدّاً أدنى من قوة الشخصية يرثه عند الولادة، ومن خلال التربية والإرادة والممارسات العملية يكتسب قوة إضافية يضيفها إلى رصيده الطبيعي منها.
إن قوة الذات في جميع البشر تكمن في الالتزام بهدى الفطرة التي يولدون بها. وهي تلك الطهارة الداخلية التي تولّد الحقيقة، ومنها تنبع القوة كلها.
إنّ في الحياة قضايا عظيمة، وأخرى تافهة، وكلما كان الإنسان مرتبطاً بقضية عظيمة، اكتسب عظمة تلك القضايا.
فإذا ما رفع أحدنا راية العدالة مثلاً، وكان صادقاً في تمسكه بها، من دون أن يرجو من خلال ذلك مصلحة شخصية، بحيث ينافق أو يتناقض مع نفسه، تحولت قوة العدالة فيصبح رمزاً لها، ومن ثم يصبح قوياً لا يقهر.
ألم نر كيف أن رجلاً فقيراً فاشلاً في شبابه، تحول إلى قوة كبرى، ثمّ تحدى أكبر إمبراطورية في عصره، وانتصر عليها؟! أعني غاندي الذي حرّر الهند من الاحتلال البريطاني عندما كانت أكبر قوة استعمارية، من غير اللجوء إلى أية قوة، إلاّ ما سماه "قوة الحقيقة"!
إن الحفاظ على الطهارة الداخلية النابعة من الفطرة، والإيمان الصادق بالمبادئ والقيم، والعمل المخلص من أجلها، تعطي الذات قوة عظمى لا يقتصر تأثيرها على الزمن المعاصر لها، بل تتدفق في الأزمنة اللاحقة أيضاً.
أليس ذلك كلّه متوافراً لكل الناس؟
حقاً، إن للصدق قوة كبرى، وكذلك للإيمان، والعدالة، والحريّة، والأخلاق، وكل من يلتزم بها، ويعمل من أجلها، يمتلك قوة في الذات، وتأثيراً في الحياة بقدر ما يحمل من ذلك.
فالصدق: مثلاً ليس مجرد مفردة أخلاقية بل هو الذي يعطي الحياة معنى، عبر القوة التي يمد بها صاحبه، وكل الذين دفعوا الناس إلى أن يسيروا وراءهم، ويقتدوا بهم، كانوا صادقين مع أنفسهم ومع الناس.
وكذلك الأمر مع بقية الأخلاق الفاضلة، حيث إن لها سلطاناً على النفوس، حتى بالنسبة إلى أولئك الذين لا يلتزمون بها.
فحتى الكذاب، يحترم من يلتزم بالصدق، وحتى الظالم لا يستطيع إلاّ أن يحترم – على الأقل في أعماق نفسه – من يرفع راية العدالة في وجهه. وفي هذا يكمن السرّ في عجز طغاة التاريخ عن القضاء على الأنبياء والرسل والصالحين.
إن في الروح ينبوعاً من القوى الهائلة، وكل من يقترب من هذا الينبوع ويرتشف منه، يمتلك قوة يسميها البعض سحرية، ولكنها هي قوة الروح الحاكمة على الحياة.
مثلاً يظن البعض أن الذكاء أو العلم مهمان جداً من أجل كسب النجاح في الحياة، أو كسب الأهمية في المجتمع، إلاّ أن تجارب كل الناجحين تدل على أن قوة الشخصية تساهم في نجاح العمل بأكثر مما يساهم الذكاء، مهما كان خارقاً.
وقد يتساءل البعض: ما هي الشخصية؟
إنها مسألة غامضة بعض الشيء كالروح، وهي تتحدى التحليل، كشذى الورد، وهي مجموعة ميزات الإنسان الروحية، والفكرية، والجسدية، وميوله، ورغباته، وتجاربه، وتدريباته، وطريقة حياته. تأتي من الإرادة، وتتأثر بالوراثة، والبيئة، والتربية، ولا شك أن من افتقد جانباً من قوة الشخصية، مثل الوراثة مثلاً، فبإمكانه تداركها من خلال جوانب أخرى كالتربية والتدريب. وهذا يعني أن يمكننا بالتأكيد أن نجعل شخصياتنا أكثر صلابة، وأشدّ جاذبية، ونسعى للحصول على أقصى ما نستطيعه من خلال هذه الجوهرة التي وهبنا إيّاها الله تعالى.