عندما ولدت توبا بويوكوستن(لميس) الممثلة التركية عام 1982 ، كانت الدولة التركية تخضع لحكم العسكر على ( طريقة الانقلابات العربية العتيدة) ، التي تؤكد حكم التاريخ المديد بين العرب والاتراك ، كان الجنرال كنعان ايفرن ، يحكم تركيا بقبضة عسكري عربي ، كان ( اجداد لميس ): المخضرم اليساري بولند اجاويد والمخضرم الاسلامي نجم الدين اربكان والمخضرم اللبرالي تورغوت اوزال والمخضرم المحافظ سليمان ديمريل، وكلهم من مواليد العشرينات ، قد شكلوا العديد من الحكومات والتحالفات التي صالت بتركيا بين تاريخها وواقعها المأزوم وسط عاصمة تشقها المياه بين الشرق واوروبا ، فيما جاء الجيل الثاني ( اباؤها) و (امهاتها) امثال مسعود يلماز وتانسوتشلر واخرهم اردوغان ،على مسرح سياسي واسع ، شخوصه لا تعد ولا تحصى يظل السياسي التركي نابضا حتى الثمانين من عمره ، يسقط في الانتخابات او يحجزه العسكر او يودع حيث اقامته بتهمة الفساد ، سياسيو تركيا ، اسماء سياسية كبيرة ليس منها من يحض بشعبية عربية تفوق
( لميس ) التي جاءت من رحم دبلجة الاعمال الدرامية التركية الى العربية ، تلك الاعمال ذات النمط الامريكي او المكسيكي الطويل الذي يستهدف في العادة فئة المتقاعدين للتقليل من فترات ضجرهم ، ليس في العالم العربي من استطاع ان يجتاز شعبية (لميس ) غير رجب طيب اردوغان ، والامر ليس غريبا ، ليس غريبا على الدولة العظمى في العالم ، فليس ثمة رئيس امريكي في ادنى استطلاع للمجلات الموثوقة هناك من الممكن ان يطال شعبية جينفر استون او انجيلا جولي ولا جوليا روبرتس التي جعلت من الفم الواسع غير المرغوب به تاريخيا ، محجا لاطباء التجميل لكبار السناتورات الامريكيات من النساء ، لم تكن لميس المعروفة بهذا الاسم عربيا ، ان تنازع رجب طيب اردوغان شعبيته في العالم العربي ، بعد مواقف راديكالية اكثر تاثيرا من دورها الرومانسي المعروف ، جاذبية اردوغان وهو يغادر دافوس بكبرياء وصمت الرئيس الاسرائيلي العجوز ، وتحية الخجل التي ودعه بها عمرو موسى ، كانت اكثر تأثيرا من كل الاعمال التركية المؤدبلجة التي تابعها الكثير وضاق منها الكثير..!
***
اليوم اذ تزدحم الوفود السياحية على مطارات تركيا الدولية والداخلية ، اروربيون ، اسيون ، وعرب ، حيث يتسلل الحرف العربي في طوابير السياح ، بعد اكثر من ثمانين سنة على الغاء اتاوتورك للحرف العربي الابجدي ، وبعد الغاء ( الله اكبر) العربية التي عادت بعد ذلك بنحو ربع قرن بعد جدل ،كان من المستحيل استمراره في دولة جلّ سكانها من المسلمين ، رغم المسار الودي الذي نهجه اكثر رؤوساء وزراء تركيا ورؤوساء دولتها خلال عقود ، تجاه اوروبا ، ظلت اروبا تعتبرها دولة مسلمة من المستحيل ان تندمج في نادي اوروبي من المسيحيين ، وهو ما ادركته العدالة والتقدم ، بعد معارك طويلة كان اليسار واليمين يتعارضون فيها ، يتعارضون في الانتماء الاوروبي والاسلامي اكثر ما يتعارضون في السياسة العامة ، انتهت بدولة قد تكون الاكثر في المنطقة كلها بتغير روؤساء الحكومات ، ضمن تحالفات تتقلب كل اربع سنوات ، الرابح اليوم ، خاسر الامس ، والعكس ، الى ان استطاعت العدالة ان تتربع طوال فترة هي الاطول في تاريخ تركيا ، ويعتقد ضمن استطلاعات الراي هناك انها ستستمر ، فلا الحزب اليمني المتطرف يمتلك قوة مضادة كافية لازاحة العدالة ، ولا التنمية القائمة في تركيا تقبل بان يضحي بها الاتراك بعد سلاسل طويلة من الانقلابات والفساد والتناغم الشاذ مع اوروبا والصراع اليوناني والصراع الكردي ، والصراع الداخلي بين الاحزاب الذي فتت حكومات كما فتت جمال تركيا الاخاذ الذي كان يأسر الاوروبيين ، قبل ان تنفتح بواكير العرب باتجاه تركيا في عهد هو الاقرب بلا منازع على العرب والمسلمين ،
عندما شكل اربكان حكومته الاولى وحمل عيها كتاب اليسار العربي رغم تقارب الزعيم اليساري النزيه والنزيه فعلا العجوز اجاويد مع اسرائيل ، رغم ذلك كان ثمة مقال عرضي في جريدة الراي الاردنية للكاتب المسيحي فهد الفانك والمختلف ايدلوجيا بالكامل مع تجربة الاسلاميين الاردنيين وتجربة اربكان الايدلوجية ، لكنه كان منصفا في مقاله ، انصافا كبيرا ، قال : على العرب ان يدعموا حكومة اربكان لانه يظل الاقرب لنا نحن العرب..!
سقطت حكومة اربكان بسبب العسكر ،ونجح اردوغان ويسقط العسكر اليوم تباعا في جرائم فساد تطالهم ، ويتناثرون..!
***
تنفتح اسارير العالم اليوم باتجاه هذا البلد الجميل الذي تتدفق المياه من كل جوانبه ، وتخضر جباله وسهوله ، ويتربع على اجمل منطقة ، تتفتح اسارير العالم باتجاهه رغم ملامحه الاسلامية السائدة اذ تزدحم المآذن ما بين اسطنبول وانقره ، وترتدي الجميلات من صبايا الاتراك الجلباب الاسلامي والحجاب الذي لا يشعرك فقط ان الاسلام عظيما فحسب ، بل هو ايضا جميل كذلك ، لكن هذا الاسلام يظل حائرا ، فمدينة مثل انطاليا الساحرة بالكاد تجد فيها مسجدا تصلي فيه ، وبالكاد تشاهد امراة محجبة او بالكاد ايضا تجد الاتراك انفسهم ، فالمدينة الساحلية تأخذ نفسها كقطعة من اوروبا او قطعة سياحية لعلها بلا ايدلوجيا تستقطب العالم كما سمى ذات يوم المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري هذا النمط ب( السنغافورات الجدد!) اي الدول الذائبة في العولمة بلا عقيدة او ايدلوجيا ، هذا شأن بعض مدن تركيا الذي تراه يشبه المسلسلات المدبلجة ولا يشبه اسطنبول ولا انقرة ولا يشبه الاتراك انفسهم الذين انتخبوا اربكان ذات مرة ومن بعده اردوغان ..!
***
حائرة هذه التركيا بين تقاربها الذي لم يثمر مع النادي الاوروبي المسيحي ، وتقاربها الجديد مع النادي العربي المسلم ، وبين الجمال الرائع الذي تفرضه طبيعتها ، وبين الموروث الذي نعرفه عن العثمانيين ، فيما تشذ المسلسلات التركية عن ذلك ، فتجدها اقرب ما تكون الى اوروبا ، فيما ينتخب الاتراك التيارات الاسلامية المحافظة وترتدي زوجة الرئيس ورئيس وزرائه الحجاب الاسلامي الذي يضفي جمالا باهرا فوق حيرة دولة فرضت حضورها ،،، رغم ورغم ورغم..!