في عهد الصحابة كانت القيادة من نصيب من يحفظ اكبر قدر ممكن من القرآن لأنه دستور متكامل واضح يشمل كافة نواحي الحياة,بلا اعتبار لسن معين أو عشيرة أو قومية, فيكون في قلب وفكر القيادي مخزون كبير لكلام الله وتقواه الذي بدوره ينعكس على طبيعة أفعاله وحُكْمِه بتقدير الأمور التي مردّها للأحكام الموجودة في ديننا.
في هذا الزمن على أي أساس يتم اختيار أصحاب المسؤولية والسلطة, هل هو عن طريق الحاصل على أعلى الشهادات العلمية , الفخرية , الخبرة المكتسبة من الحياة بكافة قطاعاتها أم عن طريق المحسوبية والعشيرة.
كل ما ذكر لا يؤهل الإنسان للوصول إلى مركز القيادة التي نريد بها إعلاء ورُقِي دولتنا الإسلامية العربية , فنظل حبيسين لفكر مشوّه وندور حول أنفسنا كما تدور الماشية حول ساقية \"أجلكم الله\" مجرد حياة تسير بلا تطور أو هدف.
وإذا أردنا المقارنة بين دول الغرب وغيرها من الدول الغير الإسلامية نرى النجاحات التي حققتها في استقرار بين مكوناتها ووضع دولها في سلم البلاد الأولى المتطورة فنلاحظ فصل الدين عن الدولة , فكيف عَلَتْ وأصبحت من القوى العتيدة التي لها وزن في محافل الأمم جميعا.
الأمر بسيط فتلك الدول لديها أهمية كبرى للدراسات والأبحاث الإنسانية و العلمية من جهة , ومن جهة أخرى تخطيطها لأي أمر من شانه إعلائها يكون الوصول إليه بناءا على دراسة مبادئ شريعتنا التي تناسيناها وسعينا سعي الوحوش وراء قشور من حضارة زائفة فنأخذ منها كل ما هو غير مفيد ومدمر أحيانا , أما تلك الدول المتطورة فتأخذ من ديننا المهم والمفيد لاقتصادها وسياستها دون الأخذ فعليا بتطبيقها والإيمان بها على المستوى الشخصي.
بهذا... يحققون أرقى الدرجات في الدنيا مع توازن بين معظم القطاعات جاهلين بان كل ما حققوه سيكون رمادا وسيجر عليهم الويلات فيكونوا حطب جهنم لفصل الدولة عن الدين واليقين به فهو النبراس الأول لكافة النجاحات على مستوى الدنيا والآخرة, قال تعالى\" وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا\"(23) سورة الفرقان.
أما نحن وللأسف الإيمان لدينا موجود فقط في القلوب بلا تطبيق والكثيرين منا- إلا من رحم ربي - مجرد تسمية بهوية واسم المسلم , متعاجزين متخاذلين نتغنى بفتوحات السابقين دون محاولة لعمل تغيير ولو على المستوى الشخصي, إيمانا منا أننا لا نستطيع عمل الكثير فليعمل غيرنا وما ينتج عن عملهم نشاركهم به ولو دفعنا الغالي والنفيس في سبيله , متناسين أيضا أن ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة اكبر منها,
معظمنا لديه هذا التفكير ولا يوجد السابقون السباقون أولئك المذكورين بنصر من الله بالقران العظيم والدرجات العلا بالأولى والآخرة قال تعالى \" السابقون السابقون (10) أولئك المقربون(11) \"سورة الواقعة.
وللأسف أيضا هذا الفكر هو من جعلنا نتراجع وعلى مدى العصور فكل ما حولنا نجده جاهزا دون المحاولة منا للفهم أو التفكر أو الاكتشاف والاختراع, فكل محاولة للتقدم من بعضنا نجد لها محاربا من أنفسنا قبل عدونا.
فأساليب التعليم والتثقيف لا تتعدى حدود التلقين لا البحث والتنافس لاكتشاف الأفضل , وكذلك الأمر بالنسبة للبحث العلمي والتطوير نكاد لا نجد ميزانية في دولنا العربية المسلمة بغناها ومصالحها المشتركة الموزعة على مشاريع فاشلة فمثل البحث العلمي وغيره من المشاريع الهادفة مهمّشة لا تأخذ حيزا للظهور والعكس صحيح يكون التركيز على قضايا ولفترات طويلة دون نتيجة حتمية لحلها فتظل عالقة تستنزف دماء المواطن وخيرات البلاد بتعاقب المسؤولين عليها بلا نتيجة.
يا أمة الإسلام لقد ذكرنا الله سبحانه في كتابه الكريم عندما قال \" خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ( (14وخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ(15)\" سورة الرحمن , أما من ناحية خلق الإنسان فهناك ثلاث مفاهيم الأول لفت نظر الإنسان إلى الصناعة والعمل فمن مجرد صلصال تم تشكيل جسد الذي نفخ فيه الروح بعدئذ , والمغزى العمل ثم العمل ثم العمل والإتقان,
والمفهوم الثاني أن خلق الإنسان من صلصال فهذه المادة إذا لم تتشبع بالماء لتظل رطبة تتشكل حسب المتغيرات وتلين فإنها تجف وتقسو وتتكسر وهذا هو حال الإنسان إن لم يرتوي بذكر الله أولا والعمل على شريعته والعلم والتسلح بالقوة للوقوف أمام أي تغيير فانه يقسو قلبه ويصبح كالحجارة بل إن الحجارة ألين منه فهي على الأقل تسبح بحمد الله, ومن ثم يتكسر ويتهدم من بعد بناء عظيم, أما المفهوم الثالث فخلق الإنسان من صلصال كالفخار والمعروف عن الفخار فراغ أوسطه وكله هواء فان لم يُغَذّى بقوة إيمان ويقين وعلم وعمل فيكون كل وجوده هراء وهواء لتتحكم به نزواته وأهواءه وكل ما يمر به ينفخ في جوفه ولا تسمع سوى الصدى والفراغ فوجوده وعدمه سواء.
والجان خلق من مارج من نار فالسبب وراء كل فشل لبني الإنسان الأجوف هو إتباع الشيطان ووسوساته وأهواء النفس التي تنبع من الجان والشيطان فمن منطلق التكوين الناري فلا يأمن مكره إلا الأتقى المتسلح بالعلم فهي نار تهب من كل زاوية وتحرق الأخضر واليابس إن لم تتداركها رحمة الرحمن بعباده المتقين.
أيها الإنسان !... متى العودة...., العودة للطريق القويم للفكر والقلب والعقل السليم لكل منا ؟
متى العودة لعصر الرسول والصحابة الكرام الذين أناروا لنا الطريق ولم يكن علينا سوى المحافظة على نلك الإنارة لا إطفائها ومحاولة الاستعانة بشياطين الإنس والجن لنستطيع فقط أن نكفي قوت يومنا ؟
متى العودة لزمن يكون فيه التعاون المشترك بين المسؤول والمواطن وقلوبنا مجتمعة على المحبة والمصلحة العامة لا على الأخذ دون العطاء.
متى العودة لظهور ساسة يتقون الله بأنفسهم وبمن حولهم ويأخذون بكافة الأسباب المشروعة للنهوض والتطور في ظل شريعة سمحة هدفها إعلاء كلمة الله في الأرض وعمارتها والخلافة فيها.
متى ننجو ؟ متى تستقر أحوالنا؟ متى نستطيع النوم قرير العين غير خائفين من غد؟ متى سيكون اهتمامنا ليس فقط بخبزنا وكفاف يومنا ولكن بإطعام مساكين وفقراء الأرض جميعا؟ متى سيكون هدفنا نشر راية الإسلام في كل البقاع؟ وسيظل السؤال مطروحا لعل وعسى تكون الإجابة قريبة... وما من شيء على ربك ببعيد...
Enass_natour@yahoo.com