عندما يرفض الاخوان المسلمون زيارة النواب في مجلس الأمة للبحث في الشؤون الوطنية ،ويهرولون لمناقشتها في بيت السفير البريطاني في عمان ،وبيوتات غيره من السفراء،ففي الأمر مفارقة ،تستحق التوقف عندها. وهنا لا أدافع عن مجلس النواب الحالي كاعضاء وكأداء،و لا أتهم الإخوان أو أشكك في وطنيتهم ، لكن ما أود تذكير مشايخنا به أن بيت الشعب أبرك من بيت السفير،وأظن أن التردد على بيت الشعب اكرم من التردد على ما كان يسمى في الأدبيات القديمة "الأوكار الاستعمارية" .
الاخوان اليوم ينفتحون على الدنيا ،بل فتحت عليهم الدنيا من أوسع أبوابها ،وللأمر محاذيره وعقابيله على رأي مشايخنا ،وفيه فتن كقطع الليل المظلم.المؤشرات القادمة من بلدان الربيع العربي كلها تقول بتفاهمات مع الغرب (الصليبي الصهيوني الاستعماري،سابقا )كما كان يصنف في الأدبيات الاخوانية.
سبحان الله، مالذي تغير ؟انتقالات سريعة من الدعوة للدولة الاسلامية إلى الجهاد في سبيل الدولة المدنية ،ومن رفض للغرب المعادي للأمة والمسؤول عن كثير من عللها ومصائبها ،ولا سيما في الحالتين البريطانية والفرنسية ،إلى تسابق على التفاهم ، بل التحالف مع الغرب هذا ،وفي المقدمة منه فرنسا وبريطانيا ،بكل عراقتهما الاستعمارية التي يصعب التفصيل فيها ،أما عن الأمريكان فالتحالف معهم هو الأسهل بحكم الخبرة والقدرة على إعادة إنتاج الحالة الجهادية الأفغانية ضد الشيوعية على أساس الجهاد ضد الاستبداد والفساد في الحالة العربية اليوم!.
في التحليل ،هنالك تفاهمات جرت وتجري بين إخوان مصر والغرب حول جملة قضايا ، منها ،التعهد بضمان استمرار العلاقة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة والغرب عموما ، وحماية حقوق الأقليات (الأقباط في الحالة المصرية)، وحماية حقوق المرأة والقيم المدنية التي ترسخت في الحياة المصرية،والمحافظة على العلاقة مع اسرائيل(كامب ديفيد).هذه هي ذاتها المباديء التي تعهدت حركة النهضة التونسية بمراعاتها مضافا لها التعهد بعدم النص على أن الاسلام أحد المصادر الرئيسة للتشريع في الدستور التونسي القادم.وهي ذاتها التي تعهد بها إخوان ليبيا (العدالة والبناء) ردا لجميل الناتو وصحبه ،وهي نفسها التي يتعهد إخوان سوريا بمراعاتها مستقبلا.
السؤال: بماذا تعهد ويتعهد إخوان الأردن للغرب ؟هل سيراعوا المباديء ذاتها،التي تلتزم بها الجماعة الأم ؟ ألم يعد الوقت ملائما لرجم الغرب على أفاعيله ؟ فالزمان غير الزمان ،والاخوان غير الاخوان،ولم يعد شيئا أهم من رجم الأنظمة ،وغاية المنى موافقة الغرب على قطاف الاخوان لثمار الربيع العربي .
ما علينا ،ما يهمنا ،هو ماذا عن الشأن الأردني ؟ماهي التعهدات المقدمة من الاخوان على وجه التحديد ؟وماهي مطالبهم من الغرب ؟وما هو ثمن الخدمات الغربية؟وماهي الخطوط الحمراء التي تحكم العلاقة الاستراتيجية مع القوى الغربية ؟وما هي الرؤية المستقبلية للاصلاح المنشود في الاردن كما تقدم للسفارات؟ وما مدى ارتباطها بالقضية الفلسطينية؟ وما هو الموقف من معاهدة وادي عربه ؟ وماذا عن الهوية الاردنية؟وماذا عن الهوية والحقوق الفلسطينية؟وماذا عن قرار فك الارتباط؟وماذا عن الوطن البديل والدولة البديلة ؟وماذا عن الملكية الدستورية ؟وماهي الأولويات، أهي الحقوق المسلوبة أم الحقوق المنقوصة ؟وهل يحرص الاخوان على حضور رسمي لهذه المقابلات؟درءا لكثير مما قيل ويقال؟ وهل يحرصون على إطلاع الرأي العام بشفافية ووضوح على فحوى هذه المقابلات والاتصالات والمفاوضات؟
والسؤال الأهم موجه لحكومتنا الرشيدة ،هل تعلم بفحوى هذه الاتصالات ؟وهل تسمح بها مسبقا؟ وهل من حق أحزاب سياسية أردنية أو شخصيات سياسية أو عشائرية أو غير عشائرية أن تجري مفاوضات دولية ؟ وأن تتردد على أبواب السفارات طلبا للدعم الأجنبي والضغط الدولي لتحقيق مكاسب سياسية داخلية ؟!