في كل عرس قرص
بقلم :الدكتور محمد فاروق المومني
الجاهة حسب التقاليد الأردنية الأصلية كانت تتكون من بضعة أفراد لا يزيدون في الغالب عن عدد اصابع اليد الواحدة يكون بينهم في العادة شخصا وجيها ومحترما أو إثنين ، ويتوجهون جميعا الى منزل أحد الأشخاص بقصد تكريمه والأخذ بخاطره لأجل تحقيق مطلب معقول ، كأن يكون إبداء اللين في موقف ما أو التسامح في قضية من القضايا الصغيرة أوخطبة عروس ، وكانت تستخدم الجاهة على نطاق واسع وتحل غالبية قضايا الناس وتؤدي بالنتيجة الى تحسين العلاقات بين الناس والحد من عوامل البغضاء والمشاحنه على ابسط الأمور بين الأهل والأقارب والجيران .
اليوم تبدل دورالجاهة وطابع استخدامها في حياة الناس الى أبعد الحدود ، ولم يعد الناس يتقبلون حل أصغر القضايا العالقة بينهم مهما كان قدر أهل الجاهة وتقديرها ، واصبحت المحاكم ودوائر الشرطة ملاذا ومقصدا للجميع حتى في الخلافات الصغيرة حول حدود الأراضي بين أفراد الأسرة الواحدة ، بعد أن كانت الرواية القائلة بمشاهدة أحدهم في مخفر شرطة أو محكمة مدعاة للسخرية منه ، وتندر الناس بقصته على أنه لم يصل الى هناك إلا نتيجة ارتكابه فعلا شائنا لا يطيقه الناس حتى لو كان سبب تواجده هناك عائدا بالأصل لإستدعائه كشاهد وليس شريكا في جرم .
ما هو أسوأ من هذا وذاك تحول دور الجاهة الإصلاحي النافع الى دور شكلي هزيل أصبح يشكل عبئا على المجتمع أكثر من أن يكون إحدى فضائله أوعاداته وتقاليده الحسنة ، وغدا شكلا من أشكال التظاهر بالوجاهة الكاذبة وعظم الشأن وزيادة التكاليف بدلا عن تخفيف الأعباء وحل القضايا وتوطيد العلاقات الإجتماعية .
التحول جرى في دور وقوام الجاهة منذ تاريخ اختفاء المصلح اللبق والمحبوب من طاقمها القادر على إقناع الناس بمطلب محق وكسب رضاهم بالمعروف ، وحلول ربع الوظائف الرسمية العالية محله لأجل احتلال مكان الصدارة في المجالس من باب اصطناع الهيبة والتعالي على المستضعفين في الأرض الذين استسلموا للأمر الواقع بسبب حاجتهم الماسة الى وساطة ربع النفوذ في تسخير حكم القانون ومبادئه وغاياته لصالحهم وتقديمهم على غيرهم حتى في ابسط المراجعات في الدوائر الرسمية حتى ولو كان الهدف قاصرا على توثيق مستند او شهادة مدرسية .
وأخيرا تحول دور الجاهة الكريمة بالأصل الى مسخرة العصر، عندما أصبحت تشتمل على أرتال تكاد تصل الى مئات الأشخاص من المجهجهين المتطفلين على هذا الدور الرفيع بكل مناسبة خطوبة تجري في البلاد وقد احتوى الطابور في مقدمتة على بعض أصحاب الألقاب الرسمية الذين لا يفوتهم عرس دون أن يكون لهم فيه قرص....