زاد الاردن الاخباري -
التبليغ عن 6 مسنين بلا عناية خلال يومين يجدد المطالب بقانون يعاقب تاركي الآباء والأمهات ...
مسن ومسنة يسكنان في منزل تغلفه برودة رطبة وتشغله "جرذان" متجولة قضمت إحدى أذني المسنة ...
هديل غبون -
ثمانون عاما لم تؤنسها سوى الوحدة وضجيج حياة متسارعة، أوصلت تلك الحاجة المسنة إلى أرذل العمر، ولم تشفع لها سنوات عمرها العجاف بأن تلقى رعاية إنسانية كريمة، حتى كشف عن وجودها هي وزوجها المقعد، الذي يكبرها بأعوام ثلاثة، أحد الجيران بمحض الصدفة.
تلك المسنة الثمانينية، التي عثر عليها فريق من مديرية الأسرة في وزارة التنمية الاجتماعية، بعد ورود بلاغ من الجيران في أحد المستشفيات الخاصة.
كانت المسنة الأحدث من بين 6 مسنين تم الإبلاغ عنهم على مدار يومي الأربعاء والخميس الماضيين، وفقا لمدير مديرية الأسرة في الوزارة محمد شبانة.
انقطاع نسل الزوجين المسنين وفتك المرض بهما، أقعدهما طريحي الفراش في منزل يخلو من أساسيات الحياة، بحسب كشف الفريق الميداني.
وتغلف المنزل أيضاً برودة رطبة وتشغله "جرذان" متجولة لم تجد من فتات الطعام ما تأكله، فـ"قضمت" إحدى أذني المسنة، على ما أكد شبانة، الذي أوضح أن كلا الزوجين يخضعان لدراسة اجتماعية وفحوصات طبية.
وقال شبانة إنه تم إيداع المسنين داري رعاية منفصلتين بصورة مؤقتة، لحين إتمام الإجراءات الرسمية للرعاية الدائمة بالتنسيق مع الدور المعنية.
وحول تفاصيل قصة الزوجين المسنين، أكد شبانة، لـ"الغد"، أن الزوج يقتات على معونة وطنية مقدارها 90 ديناراً شهرياً، بعدما أقعده المرض عاجزا عن معاونة زوجته الثمانينية، ما دفع أحد الجيران لإدخالها أحد المستشفيات الخاصة لتلقي العلاج ومن ثم إبلاغ الوزارة عن حالتهما.
وفيما نشرت "الغد" حادثة العثور على مسن تسعيني في أحد الأقبية بمنطقة جبل التاج في عمان مؤخراً، أشار شبانة إلى أن وزارة التنمية الاجتماعية تأوي 123 مسناً ومسنة في دور الرعاية التطوعية الأربع على نفقتها،
ضمن برنامج شراء الخدمات للعام 2009.
ويمكث 96 مسناً ومسنة في دار ضيافة المسنين و21 بمركز الأميرة منى للمسنات، إضافة إلى 6 مسنين في دارات سمير شما، فيما ينتفع 202 مسن آخرون من الخدمات الإيوائية التي تقدمها 5 دور رعاية خاصة على نفقتهم الشخصية، وفقا لآخر الإحصائيات الرسمية.
وأشار شبانة إلى أن الوزارة تدرس إنشاء أول دار حكومية لرعاية المسنين خلال العام المقبل.
وقال إن الحالات الخمس التي تم التبليغ عنها يوم الأربعاء، بالإضافة إلى حالة مسن آخر يخضع حالياً لفحوصات ودراسة اجتماعية للتأكد من عدم وجود أبناء له، ليصار إلى إيواء المسنين الستة للرعاية الدائمة.
أسباب متعددة تدفع بالمسنين إلى دور الرعاية، تتصدرها متلازمة الفقر وعدم الإنجاب المفضية إلى الوحدة، بحسب شبانة الذي أشار إلى أن الوزارة غالبا ما تتلقى تبليغات حول وجود مسنين "مشردين أو ممن هم في أوضاع صحية واجتماعية بائسة" من قبل مواطنين في مختلف مناطق المملكة.
وأوضح أن المسنين في دور الرعاية ينقسمون إلى عدة فئات، حيث يشكل كبار السن ممن لم يتزوجوا أو ممن لم يهبهم الله أبناء "الغالبية" من بين المسنين.
وقال إن بعض الأبناء يضطرون لإيواء والديهم أو أحدهما لأسباب تتعلق بعدم القدرة على الرعاية الصحية أو نتيجة غياب الأبناء عن منازلهم لفترات طويلة.
أما عن حالات عقوق الوالدين، بين شبانة "أن النسبة الأقل من كبار السن هم ممن يتخلى عنهم أبناؤهم، حيث يلجأون إلى إيوائهم في دور الرعاية التي تشرف عليها الوزارة".
قانونياً، أشارت المحامية كريستين فضول، من المركز الوطني لحقوق الإنسان، إلى أن حقوق كبار السن اقتصرت على المستوى الدولي في الإعلان العالمي للشيخوخة الذي صدر العام 1993، إذ تضمن خمسة مبادئ أساسية تجلت في الاستقلالية والمشاركة والرعاية وتحقيق الذات والكرامة.
وبينت فضول أن واقع خدمات دور رعاية المسنين في المملكة "إيجابي بالمجمل" على ضوء تقرير المركز العام الماضي.
وأكدت على أن دور المسنين "تخضع لرقابة ولجولات تفتيش متواصلة سواء من جهة المركز أو من جهة الوزارة"، مبينة أنه تم العام الماضي "إغلاق دار واحدة للمسنين، لأسباب تتعلق بضعف الخدمات والرعاية".
وفيما تخضع دور الرعاية لنظام دور الرعاية للمسنين رقم 2 لسنة 2001، تتضمن نصوص قانونية بنودا تتعلق برعاية المسنين من أهمها قانون الصحة العامة وقانون الشؤون الاجتماعية والعمل لسنة 1958، على ما أضافت فضول.
وفيما أكد شبانة "عدم وقوع حالات إساءة بحق المسنين في دور الرعاية"، اعتبرت فضول أن مجرد "ترك" الآباء وحيدين من دون رعاية في سن الشيخوخة هو "إساءة بحد ذاتها لا تعاقب عليها القوانين الأردنية"، مؤكدة أنه "مطلب أساسي" لتعزيز حالة حقوق الإنسان أردنياً.
وعزت فضول هذا المطلب، بإشارتها إلى إحدى الحالات التي واجهتهم العام الماضي لمسنة تركها أبناؤها للعيش وحيدة لارتباطاتهم العائلية، مفضلين أن تبقى وحيدة على إيوائها في دور الرعاية "خجلا" من الجيران.
وأضافت إن إيواء أي مسن أو مسنة لا يتم إلا بموافقة الأبناء في حال وجودهم.
ويبدو أن النظرة السلبية السائدة حول دور المسنين، تصب باتجاه الاعتقاد بقطع المسن عن محيطه الاجتماعي، وفقدان مكانته في الدورة الطبيعية الإنسانية.
وفي حين يرى شبانة أن طبيعة العلاقات الاجتماعية الوطيدة خارج المدن تقلل من أعداد كبار السن الملتحقين بدور الرعاية، تنادي فضول بضرورة إبقائهم ضمن دائرة التواصل الاجتماعي وعدم تغييب دورهم الطبيعي.
وأوضحت فضول أن هناك طاقات كثيرة في دور المسنين بالإمكان توظيفها في أعمال بسيطة، وعدم الاكتفاء باعتبارهم أفرادا تقاعدوا عن مزاولة نشاطات الحياة.
شرعياً، يذهب أستاذ الفقه في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية الدكتور هايل داوود إلى ضرورة عدم اعتماد دور المسنين كبديل شرعي عن رعايتهم، مشددا على أن "ترك" الأبناء لآبائهم من دون مسوغات شرعية "غير مقبول".
وأكد على أن ذلك يدخل في دائرة عقوق الوالدين والإثم في حال قدرة الأبناء على رعاية آبائهم الذين بلغوا من الكبر عتيا وعجزوا للهرم أو للمرض عن رعاية أنفسهم، وتجنبها لأسباب اجتماعية تتعلق بالانشغال برعاية الزوجة أو الأبناء أو غير ذلك.
ويوجز داوود مبررات اللجوء إلى دور الرعاية بالحالات الاضطرارية والاستثنائية فقط، كمرض الأبناء أنفسهم أو سفرهم أو "عجزهم" اقتصاديا عن رعاية والديهم.
وأضاف أن فكرة وجود دور للرعاية غير مرفوضة بحد ذاتها، بل ان توفيرها من جهة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني يندرج ضمن مقاصد الشريعة الإسلامية، وتحقيقا لواجب بر الوالدين ولمبادئ الرحمة والتكافل الاجتماعي.
وكان وزراء التنمية الاجتماعية العرب أعلنوا في اجتماع دوري عقدوه في القاهرة مؤخراً، اعتماد يوم 25 من أيلول (سبتمبر) من كل عام "يوما عربياً لكبار السن".
الغد