قال الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه "عجبت لمن يتصدى لإصلاح الناس ونفسه أشد شيء فسادا، فلا يصلحها، ويتعاطى إصلاح غيره" .
كثرت هذه الايام أصوات المتباكين على الاستثمار واحجام المستثمرين عن القدوم الى الاردن، وإن المظاهرات والاعتصامات، والأصوت التي تنادي للإصلاح والمطالبه بإعادة الأموال والممتلكات المنهوبة ومحاسبة الفاسدين، هي وراء هذا الاحجام وهذا النفور، مع عِلمهم بما تم كشفه من صفقات فساد بالمليارات وبتفاصيل تقرير مدير دائرة الوقاية في هيئة مكافحة الفساد قاسم الزعبي، الذي قدر حجم الفساد بالأردن بمليار دينار سنويا، منها 600 مليون دينار تدفع كرشاوى، إذا تم تطبيق تقديرات البنك الدولي بخصوص الرشاوى والبالغة 3 % ، وتصريحات مدير هيئة مكافحة الفساد بينو بأن " لجان النواب " وإعلاميون دافعوا عن الفساد.
لكن الحقيقة المرة لهروب المستثمرين، هي الية تشكيل الحكومات والسكوت على نهب مؤسسات الوطن وخيراته ومقايضة المستثمر وقبض الكمشين بدون وجه حق، هذا ما اساء للاستثمار وسمعة الاردن، وأدى الى تسلل الكثيرون ممن حاولوا الاستثمار ليبحثوا عن بلدٍ اخر، وهذا تم من قبل ومن بعد كل الحركات والاحتجاجية التي يتحدثون عنها.
ولكن في ظل غياب القناعة بإعادة الولاية العامة للسلطة التنفيذية وعدم توفر النية للمحاسبة مع تغييب الأدوات الرقابية الفاعلة، فلا سبيل أمام المواطن الا الاحتجاج وهو يشاهد ظواهر ونتائج الفساد ماثلة أمام الجميع، وماذا يُقال عن موظفين عمِلوا في الوظيفة العامة طوال مدة خدمتهم وأصبحوا يملكون قصوراً وأرصدة ضخمة في البنوك، ومساهمات كبيرة هنا وهناك، في شركات متعدده واستثمارات مختلفة ؟؟؟ الم يستحق هذا اثارة سخط الشعب على من تكسبوا دون وجه حق على حساب لقمة عيش هذا الشعب الغلبان؟؟؟، اليس كل هذا يدعو للريبة لدى المواطن ولدى المستثمر النظيف الذي يريد أن يستثمر فعلاً، وليس كمثل البعض الذين قدِموا بأسماء وشركات وهمية، ليتقاسموها مع هؤلاء الفاسدين، وكانت النتيجة ضياع مؤسسات الوطن وهدم انجازات وتعب عشرات السنين لأبنائه ، وكل هذا تم بذريعة الاستثمار والخصخصة والشريك الاستراتيجي .
فماذا سيقولون وكيف سيبررون للمستثمرين والمواطنين على حد سواء، ارتفاع حجم المديونية التي لامست "20 مليار دولار" وكيف وأين انفقت، حتى بات يتحمل كل مواطن أردني "صغيره وكبيره، فقيرة وغنيه"، من هذا الدين ما يقدر 2500 دينار أردني، فما الذنب الذي اقترفه حتى يتحمل هذه الارقام المرعبة والمثيرة للقلق على مستقبله، لتمتد أيضاً بزيادة على الضرائب وارتفاع للأسعار .
إن الخطأ بالاجتهاد في العمل مقبول ومبرر من كل من يتخذ قراراً خلال عمله، إن كان قد توخى فيه المصلحة العامة، أما الخطأ المتعمد في القرارات والأفعال ومكافئة من ارتكبه، فهو خطأ جسيم لا يمكن أن نسامح من ارتكبه لا في الماضي، ولا في الحاضر، مع أن كل ما نبتغيه، أن تسود العداله وأن نراها متحققة على مساحة الوطن، وتطبيق الدستور والقوانين على الجميع .
الحل واضح وبيّن لمن يبحث عنه، وهو بوقف الفساد والافساد واعادة الاموال المنهوبة، ووفق إجراءات تُقنِعُ بعدالة الرقابة على مؤسسات الدولة وممتلكاته، والتوقف عن تضييع الوقت بقضايا هامشية، وترك اللصوص يعيثوا في الدنيا الفساد، وبنفس الوقت فإننا لا نقبل أن يُدان أحد أو يُحاكم على أساس الشك أو كقربان يُقدم ليعزز الشعور أن هناك مكافحة للفساد، والابتعاد عن محاسبة الفاسدين الحقيقيين .
إن الحراك السلمي من أجل الإصلاح، واستجابة الدولة لهذا الحراك بفتح الملفات المُثبت بها فساد بدون انتقائية، والتحقيق مع القائمين عليها ومحاسبتهم إن ثبت وجود فساد حقيقي على أساس البينة لا على أساس الإشاعة، وإعادة الاموال المنهوبة لخزينة الدولة، وتعزيز الديمقراطية، وخلق بيئة نظيفه للاستثمار قائمة على العدل والقانون وتحديث وتفعيل القوانين الاقتصادية هو الطريق الوحيد لمكافحة الفساد، وهو الذي يخلق الثقة ويمنح المستثمر والمواطن الطمأنينة على إدارة الدولة لأموالهم، لا بل إن هذا ما يطمئن المسؤول نفسه، ويشعر أنه مصون إن ابتغى في قراره مصلحة الوطن وسيعزز انتماءه له، وإخلاصه في عمله، وهو ما يعزز الشعور لدى المستثمر بالأمان على أمواله واستثماراته، وتُعيد الثقة ويشهد الوطن ازدهارا وتطورا يلمسه المواطن ويستفيد من بناء مشاريع في مُختلف المجالات ووفق خريطة استثمارية وطنية تخدم التنمية الشاملة في كل انحاء الوطن .
وفي الختام نسأل هل السكوت عن الفساد وعدم محاسبة الفاسدين سيجلب الاستثمار، رغم معرفة المؤسسات الدولية والمحلية الدقيقة لكل الصفقات المشبوة والسليمة ولا حاجة لهم بما يتحدث بة المتضاهرون.
وللحديث بقية ...