إن المتتبع للتجربة الأردنية في مجال الإعلام الإلكتروني يجد أنها تجربة تحتاج إلى مزيد من التأمل.. فهي تجربة رائدة ومميزة .. إذا ما قورنت بمثيلاتها في الدول العربية الشقيقة .. خاصة في هذا البلد الرائد بالكفاءات الصحفية المميزة .. والتي سعت لفرض وجودها عن طريق الشبكة العنكبوتية .. فلقد عرفتنا على كثير من الوجوه الصحفية التي لم نكن لنعرفها عبر الصحف التقليدية الورقية .. والتي أفرزت أيضا كتاباً مبتدئين اثبتوا وجودهم ومنطقهم الحواري السديد ..
ولأننا في عصر العولمة والسرعة فقد خطى كثير من الزملاء خطوات ايجابية ذكية نحو إبراز ذاتهم المهنية بما ينسجم وطموحهم الصحفي عبر وسائل متاحة ومتوفرة في البيت والعمل ويعنى بها فئات عريضة من شرائح مجتمعنا الأردني ..
إن الثورة المعلوماتية التي نعيشها جميعاً جرتنا إلى حياة رقمية تتصف بسرعة الوصول إلى المعلومة والخبر وبدون أية تكاليف مادية .. والتي أدت بالفعل إلى عزوف الكثيرين عن تناول الصحف الورقية اليومية .. وسرعة تناول الخبر وتناقله بفترة زمنية قياسية من خلال الصحف الإخبارية الالكترونية
وهنا لا بد لي أن انوه إلى ضرورة التمييز بين المواقع الإلكترونية للصحف اليومية والأسبوعية.. والتي تكون نسخة إلكترونية للنسخة الورقية .. وإن كان بعضها لا يخلو من بعض التفاعل مع الزوار عن طريق التعليقات ولو بشكل محدود .. وبين المواقع الإخبارية الإلكترونية التي تبث أخبارها بشكل إلكتروني فقط دون أن يكون لها نسخة مطبوعة.. فهذه المواقع تتميز بأنها تقوم بتحديث أخبارها بشكل غير دوري .. ولا يخضع لتوقيت محدد للنشر.. أو لفترة تحديث كاملة..
فلو عدنا لبدايات نشوء المواقع الإخبارية الألكترونية الأردنية .. نجدها قد بدأت بداية خجولة ومحدودة الانتشار إلا أنها ما لبثت أن واكبت التطور التقني الذي كان له دوراً كبيراً في تنمية وتطوير هذه التجربة.. فظهور تقنيات جديدة في تصميم هذه المواقع الإلكترونية وبشكل متسارع .. أتاح للزائر التعليق على الأخبار وطرح التساؤلات والتفاعل مع الكاتب..مما أدى إلى مزيد من الإقبال عليها.... كما وأدت أيضاً إلى وجود تزاحم هائل في تلك المواقع المتنافسة بحيث أصبح يعيق بالفعل حركتها وأصبحت تعتمد كذلك على بعضها البعض في تناول الإخبار المحلية والعالمية . مما دفعها إلى أن تفرض نفسها عبر كم قرائها وتميزها عن غيرها ومصداقيتها وشقافيتها .
إن معظم الإعلاميين والصحفيين ليؤكدون أن لا حياد في الإعلام .. وأن الحياد الإعلامي وهم وخرافة ولا وجود له إلا في كتابات المفكرين والمنظرين كما وصفه بعض الإعلاميين .. فحتى في الدول الغربية التي سبقتنا في مجال الحريات الصحفية فإن هناك استحواذا ما يزال يسيطر على وسائل الإعلام بكافة أشكالها .
من هذا المنطلق نستنتج أن مفهوم الاستقلالية قد ينطبق على وسائل الإعلام أكثر من مفهوم الحرية والحياد الإعلامي.. فرغم أن وسائل الإعلام الخاصة قد تكون مستقلة مالياً وإدارياً .. إلا أنها لا تستطيع أن تكون مستقلة عن ما تتطلبه الحاجات الوطنية والضرورات الخدمية الحتمية لتلامس روح الواقع الذي يطمح كل مواطن إلى تحقيقه بمستوى عال من المسؤولية..
لقد كان لتطور الأحداث في المنطقة وسرعة تناقل الخبر الدور الكبير في الإقبال المتزايد على هذه المواقع وظهور مواقع إخبارية جديدة استطاعت بفترات قصيرة كسب عدد كبير من الزوار والمتابعين، واحتل بعضها مراتب متقدمة على الشبكة العالمية
لقد كان لهذه المواقع الإخبارية دوراً كبيراً في تقريب وجهات النظر وإتاحة الفرصة أمام القارئ للاختيار بين وسائل متعددة .. كما مكنت الكثيرين من التعبير عن أفكارهم عن طريق نشر مقالاتهم التي لا تجد مكاناً لها على صفحات المطبوعات الرسمية.. وأتاحت المجال لعدد من المحررين (المختصين وغير المختصين) من العمل ضمن المجال الإعلامي.. كما شكل قفزة نوعية في صناعة المعلومات.. ويبدو هذا واضحاً من خلال المقارنة بين التقنيات المستخدمة في هذه المواقع ومثيلاتها التي تمثل الصحف الرسمية.
إن جميع المواقع الإخبارية الالكترونية طرحت من خلال الإمكانيات التفاعلية التي منحتها لزوارها فرصة التعليق على الحدث والتفاعل معه .. فنجد أن معظم هؤلاء الزوار يطرحون ردودا منطقية على كثير من القضايا التي تهم الوطن والمواطن وبروح من المسؤولية الوطنية التي تعبر عن غيرتهم نحو الارتقاء بمستويات الخدمة بمختلف أشكالها إلى الأفضل.. بل ونستطيع القول أن ردود فعل القراء على الكثير من القضايا التنموية والخدمية وغيرها تشكل استفتاءات يمكن أن نبني عليها ما ينسجم وتطلعاتنا نحو مزيد من العطاء .
في ضوء ما سبق نرى أن هذه المواقع الإخبارية هي ظاهرة تستحق الوقوف طويلاً أمامها والعمل على تطويرها.. ومنحها هامشاً كبيراً من الحرية.. كي تشكل مع الإعلام الرسمي واقعاً جديداً وتترك بصمتها المميزة في الإعلام الأردني المتنامي .. لتشكل حالة تشاركيه بين المواطن الأردني وبين الجهات المسؤولة..إضافة لكونها وعاءً معرفياً يحتاجه الفرد في عصر أصبحت فيه المعلومة هي أداة ثورة معرفية ضخمة قادمة يجب ألا نتخلف عنها كما تخلفنا عن الثورة الصناعية في القرن الماضي.
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com