مع انشغال العرب بحلول فاترة لخلافاتهم التي لا ولن تنتهي ، ومع وجود بون شاسع في العلاقات العربية والإسلامية التى بدأت تطفو على السطح لأسباب تافهة أقصاها خلاف على مباراة كرة قدم أو مقتل راقصة هنا وهناك ، وفي الوقت الذي تعج عواصم العرب بصور لزعماء القمة وأعلان البعض عن موقفه الغاضب ليتحجج بعدم حضور القمة ، يقوم أقطاب ودهاقنة الفكر الصهيوني برسم مخططات تلمودية توراتية لطمس معالم المسجد الأقصى، ووضع أيسر السبل لهدم هذا المعلم الديني القرآني الإسلامي، في الوقت والزمان المرسوم له حسب خطة محكمة بدأت منذ عام 1967 م -اشرنا إلى معالمها في دراسات سابقة - وبالأخص عن مخططاتهم القذرة يوم ما يسمى بالكيبور ويوم العرش ، وما تبعة من محاولات تمهيدية دينية لحرف البوصلة الصهيونية إلى ما هو اخطر ..واليوم جاء موعد تنفيذ المخطط الأكبر والأوسع والمدروس ،حيث تفرض دولة الصهاينة منذ ليلة الخميس الموافق 9-3-2010 م حصارا مشددا على المدينة المقدسة بموجبه يمنع أي فلسطيني من غير سكانها التواجد فيها فيما تمنع من هم دون سن الخمسين من أعمارهم من الدخول الى المسجد الأقصى. وحدد متطرفون صهاينة يهود موعدا لاقتحام المسجد الأقصى ، والإعلان عن بناء الهيكل الثالث مع افتتاح كنيس (الخراب) يوم الثلاثاء الموافق 16-3 -2010 م وبحسبة تقويمية توراتية حسب التأريخ اليهودي , والذي وصف بأنه الأكبر في القدس ، الذي يقع على بعد عشرات الأمتار من المسجد الأقصى ..
ونفهم من هذه المحاولة المتكرر أن الصهاينة يحاولوا جاهدين طمس الطابع الإسلامي لمدينة القدس وإضفاء الصبغة اليهودية عليها تمهيداً لبناء المعبد داخل مدينة القدس ، وذلك بخلق المتاحف الصهيونية التي تتحدث عن تاريخ مصطنع ومزور وغير مثبت لما يسمى الشعب اليهودي داخل البلدة القديمة مثل متحف قافلة الأجيال، ومتحف البيت المحروق وقلعة داود...الخ. ومن خلال الأنفاق التي أصبحت مجموعة من الكنس ومزارات يؤمها اليهود من كل الأصقاع، والتي باتت تهدد بيوت المقدسيين والمسجد الأقصى بأسواره ومعالمه والتي تشكل شبكة عنكبوتيه سفلية أوجدت مدينة بأكملها أسفل حارات البلدة القديمة في مدينة القدس .
كذلك أقام الصهاينة خلال السنوات الأخيرة عدد من الكنس الصهيونية التي حلت محل الأوقاف الإسلامية بجوار المسجد الأقصى وحتى داخل حدود المسجد، مثل كنيس حمام العين وآخر بمسمى يوهيل يتسحاق ( خيمة إسحاق)، وكنيس المدرسة (التنكزية) داخل مصلى المدرسة، وكنيس قدس الأقداس مقابل قبة الصخرة، وكنيس قنطرة ويلسون ، أسفل المدرسة (التنكزية) ، وغيرها الكثير في محيط الأقصى حتى بات عدد الكنس في البلدة القديمة من القدس يضاهي عدد المساجد والكنائس فيها، ومن هذه الكنس التي ما زالت تبنى لتخدم قضية التهويد والمزاعم وقيام المعبد المسمى كنيس (حوربا) كنيس الخراب - موضوع دراستنا –
لمحة تاريخية عن كنيس (ها حوربا) كنيس الخراب :
يبنى هذا الكنيس اليوم في مدينة القدس الإسلامية بجانب المسجد العمري الكبير ، داخل البلدة القديمة في القدس على أنقاض حارة( الشرف الإسلامية) التي قام الصهاينة بتحويلها إلى ما تسمى حارة اليهود بعد أن هدمت وبدلت معالمها، ويعد هذا الكنيس أكبر كنيس يهودي بارز في البلدة القديمة، ويتألف من أربعة طبقات، ويتميز هذا الكنيس بشكله الضخم وقبته المرتفعة جدا التي تقارب ارتفاع كنيسة القيامة وتغطي على قبة المصلى القبلي داخل المسجد الأقصى للناظر للمسجد من اتجاه الغرب بالطبع هنا الهدف واضح يهدف إلى طمس المعالم الإسلامية البارزة ، والقادم إلى القدس ، وبعد أن ارتسم في مخيلته وعقيدته صورة المسجد الأقصى وقبة الصخرة ستقع أنظاره - حتما في البداية- على كنيس الخراب .
و يعود تاريخ هذا الكنيس حسب الرواية اليهودية إلى القرن الثامن عشر ميلادي حيث قدمت مجموعة من اليهود بلغ تعدادهم على خلاف من 300 إلى 1000 شخص من بولندا في 14 أكتوبر 1700 م ، وقاموا بجمع أموال طائلة لرشوة بعض عمال الدولة العثمانية حتى يقوموا ببناء معبد حوربا على أنقاض معبد قديم حسب زعمهم ، ولكن بشكل اكبر وأوسع وتم البناء للمعبد الذي لم يكن يعرف باسم الخراب بعد، إلا أن عدم دفع مبلغ الرشوة والديون الباهظة على تلك الجماعة من الأشكنازي أدت إلى مصادرة وهدم المبنى من جديد في 1721 وظل 89 عام والمعبد خراب ولذلك سمي بكنيس الخراب نسبة للخرابة التي أحدثها هدم المعبد.
والأرض المحيطة به أعيدت لأصحابها وقد أُخبرتُ من أهل القدس والجدير ذكره أنه كانت تسكن هذه الأرض عائلة فلسطينية من آل البكري، وفي عام 1808جاء إلى القدس مجموعة يهود من تلاميذ (جاؤون فيلنا) حاولوا بناء الكنيس من جديد، إلا أنهم فشلوا في ذلك لمنع السلطات العثمانية عملية البناء كون الأراضي المحيطة يسكنها عرب ومسلمين، حتى جاء زلزال عام 1834م ، لينتهز اليهود الفرصة ويُسمح لهم ببناء الكنيس من جديد في عام 1836م ،
ولتحقيق هدفهم في البناء قام اليهود بجمع أموال تبرعات لبناء الكنيس من يهود العالم، وقام كذلك بالمساهمة في هذا الكنيس الملك فريدرك الرابع ملك بروسيا زعيمة الوحدة الألمانية وبالفعل شرع اليهود في بناء هذا الكنيس في عام 1857 م .
اكتمل بناء الكنيس في 1864 ميلادي حيث استمر البناء ببطء طوال ثماني سنوات وظل الكنيس على حاله حتى 25/5/1948 عندما حاصر الجيش الأردني بقيادة عبد الله التل مجموعة من قوات الهاجانا وطلب من الصليب الأحمر أن يخرج جميع المتمركزين داخل كنيس حوربا حتى لا تقوم القوات الأردنية بقصف الكنيس، فاستغل الصهاينة الكنيس كمعسكر حربي ورفضت قوات الهاجانا الخروج من الكنيس وفي 26/5/1948 أعطى عبد الله التل قوات الهاجانا مهلة 12 ساعة للخروج وإلا يقصف الكنيس وبالفعل تم هدم الكنيس في اليوم التالي ، حتى لا يظل ذريعة لعصابات الهاجانا بالتمركز فيه واعتباره معسكر بدلاً من دار عبادة ، مع اليقين أن لا فواصل عند اليهود بين الثكنات العسكرية وكنسهم حتى ومدارسهم وبيوتهم ومدنييهم، لأنهم كلهم شربوا من حليب التوراة والتلمود المسموم ..
بعد أن احتل الصهاينة مدينة القدس عام 1967 بدأت تظهر المطالبات بإعادة بناء كنيس حوربا من جديد، إلا أن حاخامات الدولة اكتفوا ببناء قوس تذكاري لهذا الكنيس .
ظل الحال على هذا حتى بدأت النظرة الصهيونية للمدينة تأخذ طابع الإسراع ببناء المعبد وتحويل المدينة إلى مدينة يهودية بالمنظور والتاريخ، وينسحب هذا التوجه بعد نجاح تجربة الخليل والحرم الإبراهيمي ، في ظل نوم وغفوان عميق للدول العربية والإسلامية، وانقسام على أوهام بين الفلسطينيين !!ظهرت فكرة إعادة إحياء بناء كنيس (حوربا الخراب) من جديد في بداية عام 2000 ،، إلا أن المشروع أقر في بدايات العام 2001 ،،وبالفعل بدأت شركة( تطوير الحي اليهودي) ببناء الكنيس على أن يتم افتتاح الكنيس يوم 15/3/2010 ..
وتكمن أهمية دراستنا عن هذا الكنيس أنه يشكل منعطف كبير جدا في العقيدة الصهيونية ، وفي قضية تهويد مدينة القدس من الناحية الدينية الممزوجة بفكر تلمودي توراتي للشعب اليهودي تمهيدا للوصول إلى الهيكل و المعبد المزعوم وتدمير المسجد الأقصى ، أما من الناحية السياسية فتسعى حكومة نتنياهو ومن وراءه من حاخامات وأحزاب يمينية إلى السيطرة على المدينة المقدسة وصولاً إلى مسجد قبة الصخرة والأقصى الذي يسمونه (جبل البيت ) كما يزعمون فوجود هذا الكنيس بهذا الوقت تحديدا وخلال هذا العام أمر لابد منه كي تتحقق رواية صهيونية لأحد الحاخامات عرفت بنبوءة يدعى ( إيليا بن شلومو زلمان) المعروف بجاؤون فيلنا ،والتي ادعى فيها في القرن الثامن عشر ميلادي خلال زيارته أن بناء المعبد ( الهيكل ) يكون في النصف الثاني من الشهر الثالث من العام 2010 كما أشار فيلنا إلى أن بناء المعبد ( الهيكل ) يأتي بعد تدشين معبد حوربا ( كنيس الخراب) الموجود في الحي اليهودي في مدينة القدس...ومن المعروف إيمان اليهود المطلق بالفكر الطوطمي واعتمادهم على الخزعبلات والخرافات وتنبؤات حاخاماتهم واعتقادهم جزما بصدقها ووجوب تطبيقها ، لذا اعتقد أن هذا العام سيكون حاسما للمسجد الأقصى أيها العرب والمسلمين والمتناحرين !!!!
و اعتمد الحاخام (فيلنا ) في تنبؤاته على أن كنيس الخراب سوف يهدم للمرة الأولى ويعاد بناءه ثم يهدم للمرة الثانية ثم يبنى للثالثة ويكون في الثالثة سماح واذن لليهود ببناء المعبد الثالث حسب زعمه.. هذه النبوءة التي تمثلت في بناء كنيس الخراب واقتراب الموعد الحاسم لبناء الهيكل باتت تمثل دستورا يطبق على الأرض عند المتدينين الصهاينة وبعض السياسيين لدى الدولة العبرية، فقد أصدرت صحيفة هآرتس العبرية نقلا عن المؤسسة الصهيونية أن الانتهاء من كنيس حوربا ( الخراب ) سيكون في النصف من شهر مارس القادم ! ليكون أحد أهم دور العبادة اليهودية في القدس...
وعلى الأرض فإن تدشين هذا الكنيس الصهيوني يتزامن مع حملة تهويدية شرسة غير مسبوقة تشهدها مدينة القدس والمسجد الأقصى والعديد من العالم الإسلامية فى كافة أرجاء فلسطين المقدسة منذ بداية العام 2010، وكأن هذا العام بات نقطة الفصل لدى المتدينين اليهود والدولة العبرية في قضية القدس، فعند النظر إلى حفريات المؤسسة الصهيونية في محيط المسجد الأقصى فقد باتت متسارعة، وبشكل جنوني لتترجم خطورتها فعلا في بلدة سلوان والانهيارات المتلاحقة فيها والتي شاهدها الجميع خلال الأيام القليلة الماضية، ولتتوسع الحفريات في جنوب المسجد الأقصى وفي محيط القصور الأموية وباتجاه المتحف الإسلامي في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى ليصبح الجدار الجنوبي من المسجد الأقصى بما فيه 72 متر من الجدار الغربي للمسجد بالقرب من القوس الأموي كله معرضاً للإنهيار الكامل والتكشف. كذلك فإن اتساع عمليات الحفر وانتشارها في غرب المسجد باتت واضحة ومسموعة للمقدسيين الذين يسكنونبالقرب من باب الناظر ،
أما على صعيد الاقتحامات التي باتت تجري داخل الأقصى ليل نهار فقد أصبحت واقعا يفرض على المسجد الأقصى، فيدخل المستوطنين إلى المسجد بالمئات مصطحبين معهم مخططات للمعبد ويدخلون برفقة عناصر الشرطة الصهيونية إلى مصليات المسجد الأقصى مثل المرواني والقبلي وقبة الصخرة ولا يستطيع أحد من حراس المسجد منع تلك المجموعات أو حتى الاقتراب منهم تحت التهديد بسحب الهوية والمنع من دخول الأقصى!!.
هاهو المسجد الأقصى يا أمراء المسلمين ويا زعماء الخطابة المفوهين يتساقط يوم بعد يوم ، فهل ننظر شجبكم واستنكاركم الخجل ؟ ، أم إنكم ستدعون إلى مؤتمر قمة عاجل؟ أم ترموا الحمل على منظمة المؤتمر الإسلامي المتهرئة ويعود الحال كما كان عليه إبان حريق الأقصى يوم 21 / 8 / عام 1969 م ..اليهود يا سادة اعتمدوا على نبوءة حاخام لا أصل ولا تاريخ له ، ونحن بين ظهرانينا قرآن كريم يثبت لنا بالدليل القاطع أن القدس وفلسطين آية من القران ، فمع من انتم ستقفون مع نبوءة كاذبة أم مع قران صادق من لسان مقتدر عليم ، ننظر الأيام القادمة لتخبرنا بالخبر اليقين، ونكره ان سمع من أفواهكم شعار للبيت رب يحميه , فانتم أبعد بكثير عن رؤية عبد المطلب أليس كذلك ؟ –
د. ناصر اسماعيل جربوع اليافاوي –
كاتب باحث فلسطينى