قبل الإنتصاف لك معالي الوزير , احب ان ألفت إنتباهك وإنتباه غيرك الى موضوع التعامل الإعلامي , وأن طريقة مخاطبة الراي العام هي بحد ذاتها مهنة لها أُصولها ولها حرفيتها , والتي للإسف يا معالي الوزير أنت لا تجيدها , وهذا ليس عيباً أو تقليلا من شأنك , ولكنها حقيقة , والواقع أثبت ذلك , وكنت أتمنى لو أن عملية التعامل مع الرأي العام في وزارتك و في كل الوزارات , تتم من خلال دوائر إعلامية متخصصة .
وأعرج قليلا معالي الوزير على موضوع الراي العام , ولا يخفى إن قصة تصريحاتك الأخيرة , أظهرت قوة الاعلام الحر الخاص في الاردن , وأظهرت مدى قوة وفاعلية الصحف الالكترونية , وهي رد على كل متشككاً او مشككاً فيها , و أنه أصبحنا في الاونة الأخيرة نمثل فكرة السلطة الرابعة ,صاحبة الجلالة , ومن يريد أن يصرح أو يتخذ قراراً له تماسه مع الرأي العام فليحذر أولا , ولينتبه , فالإعلام الحر غير قابضي الاجر موجود.
كيف سأنتصف لك ؟
سأنتصف لك معالي الوزير في الفكرة من وراء تصريحاتك الأخيرة , ولن أُطابقك في الألفاظ والمصطلحات التي قلتها فعلياً , ولكنني في الفكرة أبحث , وفي متن الموضوع وما بين السطور أقرأ , وأحكم , ولا أُريد هنا أيضاً ان يعتقد سيدي المعلم والأُستاذ , انني أنتقص من قيمته أو قيمة مهنته المقدسة معاذ الله , ولكنه ايضاً واقعاً نعيشه , وتغيرات نراها على المعلم شخصاً , والمعلم مهنةً.
نعم سادتي الكرام
لم تعد مهنة التعليم , كما كانت سابقا , لم يعد المعلم له نفس وقع المعلم الذي كان يمشي قبل ثلاثين عاما , تغيرت الظروف , واختلفت وجهات النظر , وحقيقة وللأسف صبت كلها في خانة سوء حال المعلم مهنةً وشخصاً , إن هذه المهنة المقدسة , والتي يحمل لواءها هؤلاء الذين يجب ان يكونوا من الصفوة , وخيرة الخيرة , ذوي الضمائر الحية , والذمم التي لا تشترى ولا تباع.
ولكن مهلا مهلا , كيف يكون المعلم في تلك المكانة الإجتماعية المرموقة , وفوق كل الشبهات , وأقوى من كل الهزات , وهو يعيش حياة الضنك , وألم معاناة العيش , كيف يعطي ولدي أفضل ما عنده من تربية وعلم , وهو ذهنه وتفكيره في مصروف بيته , كيف سنقف له موفينا له التبجيلا , وهو يسير تائها , ويخشى من ابن اللحام , وابن السماك , وابن جابي الكهرباء ..الخ.
نعم , للدولة النصيب الأكبر في الوصول بمهنة التعليم الى هذا المستوى , ولكن ليس الدولة فقط , فللمعلم ايضا نصيباً من ذلك , او لنقل لمن يعمل في مجال التعليم فليس كل من يعلم معلما , حتى ولو كان نصيبه في ما وصلت إليه حالته صغيراً , فعليه قبل أن يطلب من الدولة التلطف , والإنتباه لمهنته ولحياته , أن يغلق الباب الذي يأتي منه الريح , ريح التراجع والإنحدار , و إلا لما كان معالي وزير التربية , قد احتج بما صرح به من نصح و إرشاد , فمن غير المعقول ان يكون المعلم على رأس عمله في مدرسته بين طلابه , وقد أتى من سوق الحلال ( الأغنام والماعز ) , ورائحة حذائه من رائحة السوق , ليس إنتقاصاً من تجار الحلال , أو ترفعا عن رائحتها والعياذ بالله , ولكن لكل مقام مقال , وكذلك الأمر , يأتي المعلم وكله شحمة من تصليح سيارته , أو يأتي لطلابه ورائحة العرق تفوح منه , لانه يمشي مسافة طويلة في الحر, ولا يستطيع شراء سيارة او تأمين مواصلاته .
نعم ماذا يفعلون ؟ , وما ذنبهم ؟ , هل أُعطوا حتى يكتفوا , فيكتفوا ؟ , الجواب طبعاً لا , ولكن ذنبهم أنهم إختاروا هذه المهنة , ذنبهم أنهم خاضوا مسيرتها , وحملوا رسالتها , وأقسموا على تأدية الأمانة من غايتها , وأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه , لذلك من لا يقدر على هذه القدسية , فليتركها لمن هو راغب وقادر عليها , والأرزاق من رب العالمين , أما أن تمتهن التعليم فقط لإنك تريد أن تطعم نفسك , أو أولادك , فهذا ما أنتصف به لمعالي وزير التربية الراحل حتماً عن مكتبه , والمترجل عن صهوة جواد قد يكون فيه من الأصالة الكثير , إلا ان الأصالة لا تعني دائماً أنه قادر على القفز فوق الحواجز دون إسقاطها والسقوط معها.
إتركوا مهنة التعليم لمن يحب التربية والتعليم , إتركوها لمن هم أقدر على حمل أمانتها , وأقدر على الصبر على المعاناة التي تأتي من ورائها , لأنه في هذه المهنة الوحيدة مهنة التعليم وتربية الجيل, جيل المستقبل , لا يمكن أن يجتمع عاقل ومجنون , فطريقها طريق بإتجاه واحد , طريق الحكماء والعقلاء والصابرون فقط لا غير.
وشكرا لكم سادتي
حازم عواد المجالي