الفطرة البشرية مبنية على الحب فمن منا لم يمر بتجربة حب ؟ وكم منا اكتوى بنار الحب ؟ وبالرغم من أن نعمة النسيان خُلِقت مع الإنسان إلا أن من يمر بتلك التجربة ولم تكتمل لسبب من الأسباب سواء بالهجر أو الوفاة أو غيره يكون من الصعب تخطيها أو نسيانها إلا من قرن المحبة بطاعة الرحمن ومخافته, واليقين بان ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ,وما أخطأنا لم يكن مصيبنا ولا بأي حال من الأحوال, ولذا أعجب مما يدور في مجتمعاتنا العربية المسلمة من أحداث أبطالها محبين قلبوا كل الموازين لمعنى جميل راقي وأبدلوه بمعان ليس لها قيمة أو منهم من يتهربون من الواقع بأي طريقة كانت سواء بمحاولة الانتحار أو التمرد والعصيان, فما هو مفهوم الحب لديك ؟
أهو مجرد إعجاب بشكل أو صفة معينة ؟ أم مجرد رغبة بالتملك وإشباع الغريزة؟ أو نوع من الكماليات فمن حولي من الأصحاب يحبون فلم لا أكن مثلهم؟ أم لقضاء الوقت والتسلية ؟ فالفراغ مشكلة يجر الويلات على صاحبه- فما هو مفهوم الحب لديك يا صاحبي؟ومتى ينتهي هذا الشعور؟ وهل بالإمكان إذا أحببت مرة أن تحب من جديد؟ وكيف لنا أن نتأكد أن من أحببناه هو الاختيار الصحيح ؟ هل من مجيب؟
أسئلة متعددة والأجوبة بالتأكيد ستكون مختلفة ومتعددة – لان كل إنسان له طريقة معينة بالتفكير والتحليل كل حسب تجربته أو كل حسب خبرته بالحياة سواء بالاستماع للناس أو بالمشاهدة أو بالدراسة- ولكن من مفهومي البسيط أقول:
إن الحب بالسنوات الأولى للتفتح العقلي والذهني والجسدي(المراهقة ) لا يعد حبا بالمعنى الدقيق ولكنه ربما يكون إعجابا أو محاولة التدرج من فكر الطفولة إلى فكر الشباب وربما يأخذه البعض بطريقة خاطئة لينساق وراء الأحلام والعاطفة الكاذبة ويبدأ معها نسج الخيال التي ترافق بعض الأغنيات الرومانسية التي تغزو أذهان شبابنا للأسف – مما يؤدي إلى أخطاء تنخر جسد المجتمع لتحدث فجوة عميقة بين الشباب والأهل , وتبدأ الملامة ورمي التهم فيما بينهم - فالأهل غير قادرين على فهمهم واستيعاب حاجاتهم ورغباتهم هذا من وجهة نظر الشباب , والأبناء لازالوا في مرحلة عمرية صغيرة لا تؤهلهم لمثل تلك التجارب الجسيمة وغير قادرين على التمييز الصحيح بين الخطأ والصواب وهذا من وجهة نظر الأهل- عنصران مهمان هما أساس المجتمع غير قادرين للتوصل إلى نقطة التقاء- فما هو الحل؟
حب الله ومعرفة أن الله ما خلق شيئا عبثاً سبحانه –فهو يتقرّب إلينا بالنعم ونحن لا نكلف أنفسنا بالتفكر أو التقرب إليه بالمحبة والإحسان – ولكن بالبغض والعصيان- فقد خلق الإنسان في أحسن تقويم سواء الجسدي أم الفكري- فإذا لم يستخدم الفكر والجسد في أي أمر من حياته ليميز الخبيث من الطيب تعب وظل يكابد طوال حياته وسيكون بالتأكيد من الهالكين –لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4)\"ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)\" إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ(6) سورة التين
أما بالنسبة للأهل الذين من واجبهم التربية القويمة لأبنائهم وغرز مفهوم الحب لله أولا ومن حب الله يأتي حب البشر وبطرقه المشروعة واخذ جانب اللين لا الحزم في كثير من الموضوعات, فالأبناء إنسان بالدرجة الأساسية ويكون بمراحله الأولى في طور التشكل للفكر فلا تضعوهم موضع الند والعدو ولكن لتكونوا أصدقاء, فالصديق يقبل من صديقه ولا يقبل من عدوه وغريمه- فأنت أيها الأب و الأم من باستطاعتكم الاختيار بين أيهما ترغبون الند الغريم أم الصديق الحميم- فان كنت ممن اختار أن تكون صديقا لابنك أو ابنتك فأنت الفائز فقد عملت صالحا ولك اجر غير ممنون أما إن كان اختيارك موضع الند والتحدي الباطل فقد حقّت عليك كلمة الواحد الجبار \" ثم رددناه أسفل سافلين\" بحيث خسرت الدنيا وعقّك ابنك ولم تكن من الذين ائتمنهم الله على وديعة فأجحفت بحقها فكانت سببا في خسرانك الدارين.
أما الشباب فأقول أيها الإنسان الصغير السن الكبير العاقل ذو الفكر المتحضر الذي يحب تعلّم كل ما هو جديد ويُبْدِع في معظم العلوم ما هو مفهوم الحب عندك؟ وما الهدف منه؟ وهل سيزيدك تألقا ورفعة؟ وهل هو ضرورة حياتية لديك أم انه من الكماليات؟ فان كان جوابك أن الحب طريق للاستمرار والتطور وهدفه مشروع لعمارة الأرض والتآلف بين روحين قدّرهما الله أنهما من نفس واحدة , فأقول \"مرحى لك \" أنت تسير على الدرب الصحيح ولا تخشى في الله لومة لائم – فأنت ربما تكون صغيرا بالسن ولكنك كبيرا بالقدر والعزيمة – ولكن كل أمر له تقدير وتخطيط مسبق فالعقل هو المدبر والمخطط والإعداد السليم هو خير أسلوب لسير الحياة والدفاع عنها- والاختيار الصحيح هو الذي يحكم استمرار هذا الحب أم انتهائه في أول محنة أو مشكلة تصادفك فلا تدع أهواء الشيطان تتلاعب بك وتوهمك ومهما علا قدرك وكبر عقلك بأنك في غنى عن الأخذ بالنصيحة ممن هم يكبرونك سنا وخبرة , فالوالدين وان اختلفوا معك فإنهم يفكروا من منطلق الحب الذي تحاربهم من اجله – ولتعلم أن محبة الأبوين من اقوي أنواع الحب ولو جئت لقياسها فهي بعد محبة الله بلا منازع – فترفّق أيها الشاب الجميل الذكي بمن حولك وتذكّر انك ما قدّمت من معروف إلا ووجدته ,وما قدّمت من عمل سيء فمردّه إليك \" كما تدين تدان- فَضَعْ الله بين عينيك فأنت المكلف والمسؤول عن الأرض وعمارتها والخلافة فيها أولا وأخيرا.
وأنت أيتها الفتاة اللطيفة الصغيرة كيف هو الحب لديك ؟ اهو تقليد أم مرحلة عمرية كغيرك من الفتيات أم وقت فراغ وقضائه لا بد منه؟ أم محاولة لاكتشاف مجهول غريب عنك ؟ فان كان ما سبق فهذه أهواء ووسوسات النفس فلا تدعي الشيطان يتغلب عليك لتكوني وسيلة يَجُرّكِ بها لتصبحي من بعدها حبل من حبائله- فأنتِ المُكَرّمة طفلة وبنتا وأختا وزوجة وأما , وأنت مصدر الحنان والأنوثة والعاطفة والجانب الشفاف المرن التي أتت مُكَمّلة لواقعية ورجولة وقوة وعقلانية الرجل وبدونكما الاثنين فلا حياة ولا استمرار – فلا تجعلي المجتمع غريمك بتصرفك اللا مسؤول وكوني قوية بالحق والواجب – لا أن تكوني ألعوبة بأيدي السفهاء وشياطين الإنس ولتعلمي أن الرجل لا يحب المستهترة بدينها أولا وبعفّتها وأنوثتها ثانيا- وفوق هذا لا تجعلي الله غريمك فمن يضله الله فلا هادي له –قال تعالى \" مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا.\"(17) سورة الكهف.
الحب كلمة جميلة عظيمة لمن يعْقِلُها ويشعر بها ويعيشها, وكم سعى الكثير من الناس لتحقيقها ولكنها تكون بمنأى عنهم- فهي قدرا مقدورا كما الحياة- فمن اخلص النية لله فلا داعي للبحث عنها والجري وراءها ولكنها تأتيه من حيث لا يشعر , ولا يعلم جنود ربك إلا هو .
Enass_natour@yahoo.com