أسهل الحديث هو حديث مَنْ يقوم بعدّ العصيَ في المثاليات والتنظير، أما لو كان المتحدث – تحت العصا- فسيكون حديثه صعباً ومتوتراً. والذين يتحدثون عما حدث في قطاع التربية والتعليم من غير المعلمين، ينظرّون وهم يعدون العصيّ التي يتلقاها أصحاب المطالبة. فمٍن حيث المبدأ لا أحد فوق القانون، ولا يحق لأحد مهما علا شأن منصبه أن يتهكم على مَنْ هو في خدمتهم. ولقد تابعت باستغرابٍ كيف ألقى البعض المسؤولية على المعلمين في التصعيد الأخير أو على الإعلام في إساءة فهم الوزير.
ورغم تأكيدي على رفض عرقلة سير المرافق العامة، لكنني لا أضع اللوم على المعلمين، فهم اختاروا الاجتماع السلمي في ناديهم، فلم يُسمح لهم بذلك بحججٍ واهية، وصلت في ذروتها إلى أن يُطلب منهم حلاقة ذقونهم والاهتمام بملابسهم قبل المطالبة بإنشاء نقابة لهم وفقاً لأحكام الدستور والقانون وكلاهما لم يأتيا على ذكر منع ذلك الحق. وبالتالي فهو يدخل في باب المباحات التي يجري العمل بها دون نص، إلا إذا ارتأى المشرّع أن ينظم هذا الأمر بشكل لا يُفرغ الحق من مضمونه فهو ما لن يعترض عليه أحد.
ولقد سمعت حديثاً عن عدم دستورية إنشاء نقابة للمعلمين، وهو الحديث الذي أراه يستنجد بالدستور ولا يستند إليه، فالدستور الأردني لم ينص صراحةً أو دلالة على منع إنشاء نقابة للمعلمين. بل إن المادة 23 / 2/و من الدستور تنص على أن \" تحمي الدولة العمل وتضع له تشريعا يقوم على المبادئ الآتية... تنظيم نقابي حر ضمن حدود القانون\". وقد يقول البعض أن المعلمين ليسوا عمالاًَ وبالتالي فهم غير مشمولين بالنص السابق ولا بقانون العمل إذ هم يخضعون لنظام الخدمة المدنية، وهذا صحيح فيما يخص معلمي وزارة التربية في المدارس الحكومية فقط، أما المعلمون في المدارس الخاصة فهم يخضعون لقانون العمل وبالتالي فلهم الحق في التمسك بالمادة 23/2/و لتحقيق مسعاهم في إنشاء نقابة لهم.
أما الرأي القائل بأن انتساب الموظف العام - كمعلمي وزارة التربية في المدارس الحكومية- للنقابة يجعل ولاءه لغير الدولة فهو رأي يقود إلى نتائج كارثية لا يقبل بها أحد ولا يقول بها عاقل. ومن دون تشخيص للقضية فالوزير المهندس – كوزير التربية مثلاً- هو عضو في نقابة المهندسين و الوزير المحامي كوزير العدل مثلاً هو عضو في نقابة المحامين. والوزير الطبيب، هو أيضا عضو في نقابة الأطباء ، فكيف نسمح لمَنْ ولاؤه لغير الدولة أن يتبوأ أعلى المناصب الإدارية والسيادية في الدولة؟ ولماذا لا تتم إحالة جميع منتسبي النقابات المهنية من الموظفين المدنيين والعسكريين إلى محكمة أمن الدولة إذا كان ولاؤهم لغير الدولة.
ولا أتفق مع مَنْ يرى أن المعلمين ارتكبوا جرماً خلافاً لأحكام نظام الخدمة المدنية، فنصوص نظام الخدمة المدنية موضوعةٌ من قبل الحكومة، والحكومة طرفُ في هذا الخلاف القانوني ولها وجهة نظر ومخاوف تعارض فكرة النقابة، ولا يصح عدالةً أن يكون الخصم حكماً. ولو أن المجتمع والدولة طورا أدواتٍ مثالية وهادئة للمطالبة بالحقوق والاستجابة للمطالب لما وصلنا إلى المشكلة.
وكما قدمّت، فلا أحد مع تعطيل المرافق العامة ولكن الجميع مع الحوار الهادئ البنّاء.
وللمعلمين أقول: ستظلون رسلاً للمعرفة والنور والهدى بنقابةٍ كنتم أم بدون نقابة. وأنتم محقون بالمطالبة بما ترونه حقاً لكم.
وللمسؤولين أقول: حاوروا المعلمين وقد تعلمتم منهم الحرف والبيان، وأعطوهم بدائل مقنعة فعّالة، لأن عليكم واجب الاستماع الصادق للمطالبة، والتحاور مع المطالبين بروح صادقة ونوايا حسنة، وليكن هدف الجميع دائماً احترام الوطن والمواطن وصون منجزاته.