تتعالى يومياً نغمة إعلامية تطالب بانتفاضة ثالثة تنطلق شرارتها من القدس، وبنى هؤلاء المروجون لهذا التوقع بناءً على ما يحدث من مظاهرات في القدس، فبدأت الدعوات تشق دربها في عقول هؤلاء لحتمية وضرورة إطلاق العنان لانتفاضة ثالثة محتكمين بذلك لسياسة الغوغاء، والعشوائية التي لا ترتكز لأي أساس منطقي أو فكري أو علمي، أو أي تخطيط استراتيجي مستقبلي يستهدف مصلحة الوطن والقضية الوطنية.
وهكذا نحن دوماً نريدها\" عنزة ولو طارت\" لا ننظر للكأس سوى بنصفة الذي يروي ظمآنا الذاتي التكتيكي المهزوم لخلق مبررات قوتها كقوة خيوط شبكة العنكبوت لا تستطيع المواجهة، أو للاستمرار في ديباجة الفهم الشكلي للمقاومة وعملية التحرير، دون التوقف لحظة واحدة أمام برنامج شامل يكون معلوم النتائج، واضح المعالم، وإنما دوماً نريدها زفة نُطبل بها ونرقص على أنغامها، ونعود نلهث من التعب لنستلقي جثث لا تقوى على الوقوف على قدميها.
تاريخنا الفلسطيني ذو ماضي زاخر بالانتفاضات الشعبية والجماهيرية، منذ زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث أن الاستعراض التاريخي لهذه الانتفاضات التي قدم بها شعبنا الفلسطيني تضحيات جُسام سواء بشرياً أو سياسياً أو اقتصادياً، دون أي نتائج ايجابية، فالقارئ للتاريخ ولهذه الانتفاضات يستدرك أن جل نتائج الانتفاضات الفلسطينية كانت كارثية على القضية الفلسطينية، بدءاً من انتفاضة 1936م والتي تجلت بطمس القضية الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل 1948م، مروراً بانتفاضة 1987م التي مثلت حالة ثورية عظيمة انتهت بمشروع أوسلو المذل الذي طحن بين تروسه الحقوق الوطنية الفلسطينية، إلى انتفاضة الأقصى 2010م التي انتهت بانقسام فلسطيني - فلسطيني حول الوطن لتركة اقتسمها شركتين استثماريتين في البشر والأرض، كل شغلهما الشاغل الاستثمار في الإنسان الفلسطيني كمشروع إثراء حزبي، وتملك المقدرات الوطنية لأهداف وغايات حزبية، بمقارنتها مع عامة الشعب. والمتتبع لحالة عناصر وقادة أحزاب السلطة وحالة أبناء الشعب الفلسطيني يدرك حجم الفجوة بين الاثنين.
من هنا فإن أي دعوة دون تحديد أهدافها ونتائجها، وتحديد سقفها وفق مخطط وطني شامل، لا تعدو دعوات استثمارية غوغائية، دعائية تحمل في طياتها نذير أعاصير كارثية يدفع ثمنها القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني.
وعليه فإن هذه الدعوات ما هي سوى تعبير عن مراهقة سياسية تحتكم للمنطق غير العقلاني، تسعى من خلالها للظهور بمظهر بطولات زائفة، وشكلية أطماعها مزيداً من السيطرة والاستغلال لشعار المقاومة، للتعبير عن انتهازيتها الاستثمارية للوطن والمواطن الفلسطيني.
فالمطلوب قبل الدعوة لانتفاضة ثالثة، إصلاح ما أفسدته الطغمة الحزبية التي اقتسمت الوطن كغنيمة وموروث، وحولته لعزبة شخصية تشيد بها الممالك وتسوق الشعب كعبيد يخدمون مصالحها وأهدافها، كما المطلوب أيضاً تأهيل الشعب الفلسطيني الذي أفتقد للثقة بهؤلاء بعدما ارتوى علقم ظلمهم، وفسادهم، وقتلهم، ونهبهم، واحتكارهم لمقومات الشعب وإرادته، لكي يستطيع أن يرتقي لمستوى التضحية، والنضال، والمقاومة الحقيقية، وليست مقاومة الاستهلاك الدعائي الهادفة لتحقيق مزيداً من المكاسب الحزبية والشخصية التي تلوح بالمقاومة كشعار لا يرتقي لمستوى للفعل سوى بالخطابات والمهرجانات فقط.
واستطراداً للفكرة يجب إخماد الأصوات التي تريد الفتك بنا وبقضيتنا بدعوات غوغائية فضائية لا تريد من خلالها سوى الزج بقضيتنا الوطنية بنفق مظلم ينتهي حتماً بنتائج كارثية تضاف للكارثة التي نعيش في خضمها في ظل الانقسام الرذيل، ولا يحمل من معالم سوى معالم الحقارة السياسية، وإهدار الكرامة الإنسانية والوطنية...... فانتفاضتكم الثالثة ستنتهي بهدم الأقصى، وضم الضفة الغربية، وإلقائكم في غزة للتصارع على جيفة الحكم والسلطة.
سامي الأخرس
19/3/2010م