زاد الاردن الاخباري -
خاص - حين بدأ "الربيع الأردني"، كان مختلفاً عن ربيعات العرب جميعاً، فالأردنيون لم يطالبوا بإسقاط نظام أو إعدام رئيس، كل ما طالبوا به هو كشف الفساد و محاسبة الفاسدين.. طالبوا باسترجاع أموالهم التي تسرّبت إلى جيوب هذا و ذاك.. طالبوا بعيش كريم و حياة آمنة ينعمون بها و أطفالهم.. طالبوا بالوحدة و الحرية و الحياة الفضلى، التي نادى بها المغفور له الشريف الحسين بن علي حين أطلق رصاصة الثورة العربية..
رد الفعل الرسمي على صوت الشعب كان واضحاً منذ بداية الحراكات.. صمت و صمت ثم صمت فصمت.. فابتداءً بدولة معروف البخيت، مروراً بدولة عون الخصاونة، وصولاً لدولة فايز الطراونة.. كل ما تم إنجازه، على أيدي ثلاثة من العقول النيّرة المخضرمة في الشؤون السياسية، كان محاولات بائسة لـ"تسكيت" الشعب بحبس فلان و سجن علّان.. ثم إطلاق سراحهم -طبعاً-.. فلا أموال منهوبة حصّلت، و لا حقوق مسلوبة عوّضت..
و جرت رياح الشارع بما لا تشتهي سفن الحكومة.. فحقيقة أن الشعب ينفخ بقربة مخزوقة، و أن الصوت مهما علا لا يعود إلا بصدىً مقيت، لم تعد مقبولة.. فزاد الغضب و ثار الشارع، و ارتفعت سقوف الشعارات، و تجاوزت خطوطاً حمراء بطريقة لم نعهدها في أردننا، و أصبحنا نشهد حوادث لم تكن مألوفة في وطننا.. فكم من حالة انتحار و كم من حادث سرقة و قتل و خطف، و السبب ما في غيره الفقر و الحاجة و الطفر!
المثير للاشمئزاز، أن ولاة الأمر منا، متمثلين بالوزراء الأكارم و رئيسهم، بعيدون كل البعد عن الشارع، يتربعون في أبراج عاجيّة، يصمّون آذانهم عن صرخات الغضب و الحاجة، يقنعون أنفسهم أن البلد بخير، و أنهم يقومون بواجباتهم على أكمل وجه.. لا و الله يا أعزائي ما إنتوا عاملين إشي من واجباتكم!
يا حكومة، المواطنون الأردنيون يشعلون أنفسهم، يحرقون أجسادهم من شدة اليأس.. يا حكومة، النار التي في الجسد أصبحت أهون من نار الفقر و العوز.. يا حكومة، الإنسان الذي تغنّى به الملك الحسين و قال أنه أغلى ما نملك أصبح رخيصاً، رخيصاً جداً..
ثم لا نجد رداً منك -أيتها الموقّرة الرشيدة المبجّلة- إلا تدريب الكوادر للتعامل مع من يحاول الإنتحار! ألم يكن أولى بكم أن تعرفوا أسباب الإنتحار و تحلّوها! ألم يكن أولى أن تكسروا الجليد القاسي الذي شكّله كبرياؤكم و تجبّركم الذي يحول بينكم و بين الشعب! ألم يكن أولى بكم أن تحاولوا التقرب من إخوانكم و سماع نداءاتهم و صرخاتهم و استغاثاتهم!
على ماذا تراهنين يا حكومة؟ و ماذا تنتظرين؟ ما هي توقّعاتك من شعب أكلتي من خيره حتى أصابتك التخمة، و شربتي من دمه حتى تحوّل إلى جسد بلا حياة..
تذكّري يا حكومة ما قاله درويش..
أنا لا أكره الناس
ولا أسطو على أحد
و لكنّي.. إذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي
حذار.. حذار.. من جوعي
و من غضبي