أكد كتاب التكليف السامي الذي وجه لدولة السيد سمير الرفاعي \"بأن الإنسان محور العملية التنموية برمتها، وهو وسيلتها وغايتها\"، فلا جدوى من التنمية ما لم يكن المواطن هو في نفس الوقت هدفها وأداة إنجازها. ولهذا، يتعين الانطلاق من رصد حاجات السكان في ميادين التربية والعمل والصحة والسكن والترفية والاتصال والتواصل وترتيبها طبقا لدرجة أولويتها، لبلورة أهداف التنمية المرغوبة.
إن الأمر لا يتعلق هنا فقط بتحسين ظروف معيشة المواطنين، وإنما يعني بالدرجة الأولى تمكينهم من المعرفة والمهارات وظروف العيش التي تسمح لهم بالمساهمة الفاعلة في التنمية العامة للبلاد، وهو ما لا يتأتى دون العمل على رفع القيود ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية التي تحول دون استغلالهم لطاقاتهم ولإمكانيات محيطهم، وتمنعهم من التحقيق الكامل لذاتهم.
ومن هنا، يكتسي تعليم المواطنين وتكوينهم طابعاً حيوياً، بالنظر لما له من دور في تغيير العقليات والسلوكيات السلبية التي تهدر الطاقات وتكبح المبادرات وتمنع من تطور روح المواطنة الفاعلة.
وفي إطار هذا التصور، تتخذ التنمية كأساس لها بناء مجتمع جديد، تحكمها قيم الديمقراطية والمواطنة الفاعلة وروح المسؤولية، وتوفر للمواطنين شروط تحقيق ذاتهم والمشاركة بوعي في تحديد الاختيارات التي تهم مستقبلهم الجماعي. فبهذا المجتمع فقط، يمكن ضمان التعبئة التي يقتضيها رفع التحديات التي تطرحها التنمية في ظل العولمة ومواجهة المخاطر التي أصبحت تهدد التوازنات البيئية، بكيفية تضامنية.
وإن اعتماد سياسة للتنمية المستدامة في الأردن سيشكل مشروعاً جماعياً وتوافقياً، يشارك في بلورة توجهاته واختياراته كل مكونات المجتمع الأردني، في إطار حوار وطني مفتوح، واسع وديمقراطي.
وتقتضي ترجمة هذه السياسة على أرض الواقع، المضي في اعتماد أساليب الحوار الديمقراطي مع المواطنين وإشراكهم في تحديد وإنجاز الاختيارات التي تهم مستقبلهم الجماعي، ضماناً لالتفافهم حول الأهداف المسطرة في إطار سياسة التنمية ولتعبئتهم من أجل تنفيذها.
وقد تتخذ المشاركة صبغة استشارة واسعة للسكان، حينما يتعلق الأمر بمشاريع ذات وقع محقق أو محتمل على معيشهم اليومي، أو قد تتمثل في تعبئتهم للإسهام بشكل فعلي في إنجاز بعض المشاريع ذات البعد المحلي، وقد تتم من خلال ممثليهم في المجالس المنتخبة والغرف والجمعيات المهنية والنقابات، أو عبر منظمات المجتمع المدني.
ولكي تكون هذه المشاركة ناجحة، يتعين أن تواكب بتطوير اللامركزية وبتوسيع نطاق لا تمركز المصالح الإدارية، وأن تقوم على مبادئ التدبير العصري.
د. فيصل المعيوف السرحان
دكتوراه في التخطيط الإقليمي والتنمية
المفرق/ سما السرحان
faisal_mayouf@yahoo.com