لقد ساقني خبر على أحد المواقع الالكترونية مفاده \" القبض على مسؤول إرتشى 12 الف دينار من جمعية تعاونية \" إلى قناعة \" شخصية \" أن الرشوة هيّ خيانة لعقيدتنا ولوطننا حسب التعريف الشرعي لها : ( الرشوة : ـ بفتح الراء وكسرها ـ هي ما يمده المحتاج من مصانعة ومال ونحوه لنيل حاجة متعذرة .. أو هي :ما يدفعه ظالم لأخذ حق ليس له ، أو لتفويت حق علي صاحبه انتقاما منه ومكراً به ، وللحصول علي منصب ليس جديراً به ، أو عمل ليس أهلا له .. والرشوة : مأخوذة من الرشا أو الرشاء وهو \" الدلو \" أو \"الحبل الذي يدلى في البئر من أجل الحصول على الباقية .. وهى : ضرب من ضروب أكل أموال الناس بالباطل ، وهى ماحقة للبركة ومزيلة لها) ..!!
قد تكون \" الرشوة \" ظاهرة بدأت تتفشى بعمق في مجتمعاتنا العربية ، وبصورة بدأت تقلق العديد من الدول العربية ، لما ينتج عنها من مردودات سلبية على مجتمعاتها ، وقد تندرج تحت أبواب ومسميات كثيرة .. \" الرشوة بالمال \" مباشرة بين المرتشي والرائش \" تسليم باليد \" ، و \" الرشوة \" الغير مباشرة بين المواطن والمسؤول ، حيث تبدأ بالتعارف والهدايا ومن ثم الدعوة حول وليمة مستديرة من باب التمهيد وعلى مبدأ \" إطعم الثم بتستحي العين \" ، إلى أن ينتهي المطاف بتبادل المال وهو المراد من هذه العلاقات ..!!
نعم هناك العديد من الولائم التي تقام على شرف أصحاب نفوذ وجاه في موقع المسؤولية ، وليس بالضرورة أن يكون المسؤول على رأس عمله أو ذي منصب مرموق في مؤسسات الدولة ، بل أيضاً تقام لأشخاص قد يكون لهم نفوذ داخل هذه المؤسسات بصورة غير مباشرة ، والرابطة فيما بينهم هيّ \" إطعم الثم بتستحي العين \" ولكنها في الواقع هيّ \" كسرة عين \" ..!!
قد تفرض علينا أحياناً مصالح العمل الاستدارة حول مائدة تحتوي على ما لذ وطاب من المأكولات من التي نعرفها والتي لا نعرفها ، وقد يكون وعلى الأغلب أن \" المعزب \" أي \" صاحب الدعوة \" أول مرة يسمع بهذه الأنواع من المأكولات أو أنه لم يتذوقها من قبل ، وقد تكون لا تتناسب مع ذوقه في الطعام ، يأكلها على مضض ، وكأنه في قريرة نفسه يقول مصلحة العمل هي فوق كل الأذواق والمهم هو الأهم ..!!
نحن نعلم أن النفس أمارة بالسوء ، وهي التي دائماً تلعب بنا كما لو أننا كرة من بقايا القماش يتقاذفها الصبية كيفما شاؤوا ، تارة هنا وتارة هناك ، ينظرون الينا ونحن نتلوى من شدة ركلهم لنا ، وهم في سعادة غامرة تملأ قلوبهم الوجلة على ما أصابنا من بلاءٍ نحن سعينا إليه بإرادتنا ولم يسعى إلينا ..!!
ونعلم أيضاً علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز : \" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحاكم لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون \" . صدق الله العظيم
وعن أبى حميد الساعدى قال : استعمل النبي صلي الله علية وسلم رجلا من الأزد يقال له : \"ابن اللتبية \" على الصدقة ، فلما قدم قال : هذا لكم ، وهذا أهديّ إليّ ..!! قال : فقام رسول الله صلي الله علية وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال في وصيته : أما بعد : فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاّنيّ الله فيأتي فيقول : هذا لكم وهذا هدية أهديت لي ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا ..؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله بحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحدكم منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر \" ، ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه يقول \" اللهم هل بلغت \" .. وفي هذه \" الوصية \" يحذر النبي الكريم صلي الله عليه وسلم من استغلال المناصب ، وينكح جماح كل من ولاه الله تعالى منصبا عن أموال الناس وهداياهم ، ويبين فيها : أن من استعمل على عمل فمد يده لهدايا الناس أو أموالهم فهو آثم ومرتش ..!!
لا ننكر أن هناك من الولائم التي تقام ذات صبغة اجتماعية ، و قياساً بنوعية المدعوين \" وحتى في عشاء الراحلين عن هذه الدنيا \" الأموات \" التي خصصت لله تعالى ، تجد أنه تغلب عليها صبغة المصالح المشتركة بين المعزب والضيف مما يندرج تحت ذات المفهوم \" الرشوة الغير مباشرة \"..!!
لا بد أن نتعامل مع قيمنا الدينية وأخلاقنا بنوع من المصداقية في ترجمة االمفاهيم وعدم التحايل على تفسيرها الصحيح حسب غاياتنا ومصالحنا \" فأساليب الترحيب \" الصفراء \" أو بناء علاقات اجتماعية على هذا النحو هيّ عبارة عن اكذوبه اصطنعناها لأنفسنا ، وغطاءً لمسؤولٍ مرتشي .. وكأن بنا لا نعلم أن القيم الأخلاقية هي الباقية ومواقع المسؤولية هيّ الزائلة ..!!
وفي الوقت ذاته لا ننفي تلك الجزئية للعلاقات العشائرية وموائدها المشرقة في المفهوم العشائري التي لا تخلوا من الايجابية السمحة لدى بعض مجتمعاتها التي تسعى إلى استئصال الخصام بين القبائل ليسود الصلح والوئام ..!!
وأين كانت مواصيل عاطفتنا في علاقاتنا الاجتماعية والإنسانية تجاه البشرية .. يجب أن لا تثنينا شريعة الغاب عن شريعة السماء ..!!
akoursalem@yahoo.com م . سالم أحمد عكور