كنتُ إلى ما قبل خمس دقائق من كتابتي لهذه المقالة من أشدُّ المطالبين بنقابة للمعلمين، وكنتُ أعتقد –واستغفر الله من هكذا اعتقاد- أنَّ النقابة حق للمعلمين، وأنَّهم ظُلموا لحرمانهم منها كل هذه العقود الطويلة. ولكن بعد أن أعملتُ فكري وتبحرت وتنهرت وتمحطت في الأمر، ونظرت في مرآة حقيقية غير مكسورة أو مسحورة، أدركت أني كنت على خطأ، بل خطأ لا يغتفر إن لم يكن قاتلاً، والحمد لله أنَّ الحكومة لن تحاسبني على اعترافي هذا، وإلا ذهبت في خبر كان واسم إنًّ!!
المهندسون لهم نقابة، والأطباء لهم نقابة، والممرضون لهم نقابة، وكذلك المحامون والصحافيون والفنانون والكتاب والجيولوجيون والبيطريون والعمال وأصحاب المطاعم والفلافلجية والكندرجية والكنترولية والشحادون والكشاشون وكل فئات الموظفين في القطاع العام والخاص والمختلط، وهذه النقابات تحمي منتسبيها وتحفظ لهم حقوقهم وتطالب بها وتهدد بالاعتصامات عند أقل مشكلة أو سوء تفاهم أو عصلجة في تحقيق مطالبهم، أي أنَّ لكل هؤلاء ظهر يحميهم وجدار قوي كجدار الصين العظيم يستندون إليه، ولا تستطيع الحكومة أن تستفرد بهم وتخضعهم لما تريد، وهنا مربط الفرس أو التيس، فهل يعقل أنَّ حكومة بقضها وقضيضها لا تستطيع فرض سيطرتها على أحد، ولا تمارس سلطتها على أياً كان؟ وهنا اختير المعلمون ليكونوا هم ضحية أقصد منتسبي نقابة الحكومة، فالحكومة هي الحامي والحاضن للمعلمين، فهي أمهم وأبرّ الناس بهم.
لا تلتفتوا أيها المعلمون للإشاعات المغرضة التي تصطاد في الماء العكر، ثم إنَّ المعلمين أصحاب رسالة، لا يجوز أن يلتفتوا إلى نقابات مهنية، تخرجهم عن قدسية رسالتهم، وأهميتها في بناء الأوطان، وأن لا تكون نظرتهم مادية، وليتحملوا كما تحمل الرسل من قبلهم، فقد تحملوا عليهم السلام الجوع والعطش والطرد والصدود والإعراض والإيذاء وغير ذلك، فليتشبه المعلمون بأصحاب الرسالات السابقة، فهم ورثة الأنبياء، ومعلمي الناس الخير، وبعدين الشغلة مو مستاهلة، فالمعلمين يا دوب (100) ألف فقط لا غير، وهذا الرقم من ستة ملايين أردني لا يذكر بل فاي!!
ثم إنَّ هناك أمر خطير لم يلتفت إليه أحد قبلي ولا بعدي، وهو أنَّ وجود نقابة للمعلمين يستدعي بالضرورة أن ينادي الطلبة بوجود اتحاد لهم ليحميهم من بطش وظلم المعلمين، وعند ذاك تنقسم البلد إلى قسمين أو حزبين أو طائفتين أو شلتين أو عصابتين، وستقع البلاد تحت رحمة النقابة والاتحاد لأقل حردة أو زعلة أو سوء تفاهم.
ولأجل ذلك ومن باب أن الحكومة أدرى بمصلحة المعلمين، وأدرى بما ينفعهم فإنَّ موقفها من نقابة المعلمين موقف مُقدر، يجب أن يُشكر ويُثنى عليه لأنَّه يحمي البلد من تداعيات لا تحمد عقباها، وخاصة في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها المنطقة برمتها منذ أكثر من مائة عام والمرشحة للاستمرار حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
mosa2x@yahoo.com