من لكِ يا قدس ؟؟؟ ... ومن لكَ يا أقصى ؟؟؟
بعد أن أزيحت غزة ... لم يبقى سوى الضفة !!!
21 / 3 / 2010م
محمود عبد اللطيف قيسي
بعد قرار دولة إسرائيل الكيان تدمير السلطة الوطنية الفلسطينة التي جاءت كإنجاز نضالي ثوري سلكته الثورة والجماهير الفلسطينية قدمت خلاله عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى ، وكنتاج لسنوات طويلة من النضال والعذاب والجراحات والمعاناة ، لمعرفتها أنها الطريق الصحيح الذي سلكته للوصول للدولة الفلسطينية المستقلة ، وهو ما أخاف دولة إسرائيل التي راهنت دائما لبقائها وتمددها على سوء الخيارات والاختيارات الفلسطينية ، المسؤولة عنه بعض قيادات الطفولة السياسية المعارضة للشرعية الفلسطينية ، وعلى قواعد الإشتباك الداخلي الفلسطيني المسؤولة عنه بعض الفصائل المنطلقة من المفاهيم العقائدية الصدأة ، وعلى سوء العلاقات بين شعب فلسطين وباقي الشعوب العربية المسؤولة عنه بعض العقول الدولية الخربة ، ومما زاد من خوفها هو النجاح الكبير الذي حققته القيادة الفلسطينية الشرعية المتسلحة بإرادة حركة فتح رائدة النضال والفكر الفلسطيني المستقل وغيرها من فصائل النضال والعمل الوطني المنضوية تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية ، حينما صقلت العلاقات الفلسطينية مع كل الدول العربية والعالمية ، ونقلتها من مرحلة التوتر والإلتباس ، إلى مراحل التفاهم والعلاقات المتميزة والوضوح ، وحينما نقلت الشعب الفلسطيني من مجاميع لاجئين مشتتين ، إلى جموع مقاتلين من أجل الحرية ، ومن شعب وصل بفعل الهجرة والشتات من يائس باحث عن الذات ، إلى براكين معطاءة حبا بوطنها وبقدسها ، ومن غير مهتمين مع تأثرهم بقرار وفصول حياتهم التي يحاول الأعداء والمقامرين المتعاونين معهم رسمها لهم ، إلى أحرار مستقلين راغبين بالوصول للحرية ومحافظين بكل ما أوتوا من قوة على قرارهم الوطني حرا مستقلا بأيدهم .
وبعد قرار جماعة الإخوان المسلمين العالمية إطلاق حركة حماس كبديل مفترض ومقبول جماهيريا ومأمول لقيادة الدفة الفلسطينية بدل منظمة التحرير الفلسطينية ، عمدت منذ اللحظة الأولى لنشأتها لنهش الجسد الثوري الفلسطيني ومحاولة إسقاط النظام السياسي الفلسطيني ، عبر محاولة تجاوز منظمة التحرير الفلسطينية أو بالبحث عن مرجعية جديدة تحل مكانها ، خيطها برقبة حماس ونهايته بيد الإقليميين وبعض العرب الراغبين بالمقامرة بالقضية الفلسطينية في سوق النخاسة السياسي الدولي ، إلا أن كل هذه المشاريع لإخراج الشعب الفلسطيني مع معادلة الصمود والتصدي وصراع البقاء مع العدو الإسرائيلي فشلت ، بسبب القوة والحضور الجماهيري التي تتمتع بها المنظمة وفصائلها الوطنية وبخاصة حركة فتح .
ومع إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية ، وجدت حماس ضالتها وفرصتها خاصة بعد إنقسام الشارع الفلسطيني على نفسه بعد اتفاقيات أوسلو ، وبعد ظهور ما عرف داخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية مع بداية تشكلها بالمشكلة الإدارية والتنظيمية والقيادية ، بين أبناء الداخل اللذين طالبوا بأكثرية مفاصل الإدارة بحكم الشرعية السكنية والسكانية والحضور النسبي ، وأبناء الخارج المديرين لها بحكم الشرعية النضالية والدستورية والحضور التمثيلي ، وعدم التنسيق الفعلي والحقيقي والجاد بين اللجنة الحركية العليا والهيئات القيادية العليا خاصة مع اللجنة المركزية السابقة خلال فترات الانتخابات السابقة ، فقد اسغلت حركة حماس كل هذه الفرص وهي القائمة بسياستها ووجودها على استغلال الفرص لمصلحتها ، فبدأت لعبة خطيرة بالتعاون والتناوب مع الأحتلال الصهيوني ، بدأت برؤوس الأجهزة الأمنية ثم بمهامها وهيكلياتها باعتبارها الذراع القوية والحارس المخلص للسلطة الوطنية الفلسطينية ، والتي كانت مراكزها وأبنائها هدفا للقنابل الإسرائيلية طوال فترة النضال وخلال الإنتفاضة الثانية ، وبذات الوقت هدفا للإعلام المضلل والمفبرك الحمساوي ولألسن شيوخ المنابر الحمساوية والأخونجية ، بعملية مدروسة ومخطط لها من قبل أفرقاء معادين للتوجهات الوطنية الفلسطينية من أهمهم وأقواهم إيران ، واعتبار ذلك المقدمة الممكنة لإسقاط السلطة الوطنية الفلسطينية ، بعد إظهارها للشعب الفلسطيني وإقناعهم بعد ارتكازهم على كلام الدين والإيمان وكأنها الحارس على المستوطنات والإسرائيليين لا على الإنجازات الوطنية والفلسطينيين ، لتمكين حركة حماس من إقامة كيان خاص بها في غزة وإن تحت عنوان ( الإسلام هو الحل ) لتجربة فكرة الإخوان المسلمين بالحكم ، والذي قبل إيرانيا للتعتيم على حربها المذهبية في العراق وأفغانستان ، وقبل إسرائيليا لاحقا لنجاحه بضمان أمن حدودها ومستوطناتها وسكانها .
فبعد تجربة حماس في غزة وضبطها للحدود بين غزة وإسرائيل ومنعها للمقاومين من عبورها أو حتى الإقتراب منها ، وإفشالها لكل عمليات إطلاق الصواريخ صوب المغتصبات الإسرائيلية التي باتت آمنة لأول مرة منذ إقامتها ، بعد التفاهمات الحقيقية الشفوية بين قادة إسرائيليين عسكريين وبين قادة ميدانيين من حماس قرب حدود غزة وفي تل آبيب نفسها ، وبعد الإتصالات المثمرة بين القيادة السياسية الإسرائيلية والحمساوية في غزة وفي عدة عواصم أوروبية قسم كبير منها كان بوساطة قطرية ، والتي قاد قسم منها الزهار وأحد منظري الفكر السياسي الحمساوي حسن يوسف والد العميل مصعب وأحمد يوسف وغازي حمد وبعض أعضاء المكتب السياسي ، وبعد الإشارات والرسائل الحمساوية للطرف الأمريكي والتي ابتدأت خلال حرب غزة وبعدها ونقلها بعض المبعوثين الأمميين ومن بينهم السيناتور الأمريكي جون كيري والنائب البريطاني جورج جالاوي ، والتي تدعوه للتفاوض معها بدل منظمة التحرير الفلسطينية بوصف حركتهم الأقدر على تأمين السلام للإسرائيليين وعلى لجم الشعب الفلسطيني ووضع حد لنضاله مقابل مثل ذلك الإعتراف .
ولتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي المشترك بين إسرائيل وحماس ، والذي أخذت ملامحه تظهر وتفاهماته تتضح بعد التنسيق الأمني والسياسي وبدء التعاون الإستراتيجي بينهما بعد انتهاء حرب غزة مباشرة ، الهادف لإلغاء السلطة الوطنية الفلسطينية وإنهاء دور منظمة التحرير الفلسطية بعد اجتثاث عرابهما حركة فتح ، حيث تناوب الطرفان للإساءة للسلطة الوطنية ولقيادتها الشرعية ، واستغلال كل الفرص والخطابات لفعل ذلك ، والتي كان من آخرها احتفال حماس في غزة الجمعة الأخيرة احتجاجا على تهويد القدس الذي خلا من كل ما يسيء للإحتلال ، لأنه نُظم أساسا لمهاجمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية التي كانت أراضيها مسرحا للمواجهات البطولية مع الأحتلال ، في حين أنّ أراضي سلطة حماس نجاد باتت عصية على المقاومة والمواجهات ، بعد أن كانت عصية على الإحتلال ومستوطنيه ، فنظمت فقط كغيرها من الساحات العالمية الإحتفالات الغنائية بالأعلام الحزبية الخضراء ، والمليئة بالخطابات الحماسية المعنوّنة بشتم وسب الذات والقيادة الفلسطينية والتي بنهايتها ( بارك الله حضوركم ومشاركتكم ، كفيتم ووفيتم ، والآن إذهبو بهدوء إلى بيوتكم ، ( لأنّ من نجده في الشوارع بعدها سيعتبر خائنا لله ورسوله وآماناتكم وعهد حماس ) ) ، مع تميزها عن غيرها بأنها منعت رفع العلم الوطني الفلسطيني الذي تكرههه فقط حماس وإسرائيل ، كما ومنع عسكر حماس الشباب الفلسطيني وبالقوة من التوجه لنقاط التماس مع الإحتلال ، بل واعتقلت العديدين منهم اللذين وصفتهم بالعملاء لإستثارتهم الإحتلال والحاق الأذى بالمصلحة الوطنية العليا لشعب غزة .
إلا أنه وكنتيجة متوقعة لصمود الرئيس الفلسطيني على مواقفه الوطنية وتمكنه من التفلت من المكر والدهاء الإسرائيلي ومن حرب الإشاعات الحمساوية والأخونجية والرديفة ، جعل الطرف الإسرائيلي يسارع ويسابق الزمن لتحقيق ذلك الهدف ، فكانت الهجمة الشرسة على القدس والمقدسات بشكل لم يسبق له مثيل لإثارة أهل القدس وعموم فلسطين ، مشفوعة بنداءات لهم من حماس وإيران والإخوان ومن فضائيات العهر والظلام دون شعب غزة لإعلان انتفاضة ثالثة فقط في أراضي الضفة الغربية دون أراضي قطاع غزة ، وذلك لإفساح المجال للقوات الإسرائيلية باجتياح أراضيها وتدمير السلطة الوطنية الفلسطينية ، واعتقال أو قتل كل الكوادر والقيادات الفلسطينية الوطنية الرافضة والمقاومة للمشروعين الإسرائيلي والحمساوي ، وعلى رأسهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه ، ليصار بعدها لإدخال عناصر حماس وقيادتها على ظهور الدبابات الإسرائيلية التي تتحضر فعليا للسيطرة على الضفة الغربية .
ومع أنّ الانتفاضات الشعبية هي من حق الشعوب المأسورة والمقهورة والتي من بينها الشعب الفلسطيني ، وتعتبر شكلا آخر من أشكال النضال والمقاومة ، إلا أن ّ الشعب الفلسطيني المستهدف من أعداء كثيرين تشابكت أيديهم لتقاطع مصالحهم رغم الإيحاء بحتمية الاشتباك بينهم ، عليه أن يحذر الاستجابة لنادءاتهم الماكرة ، وأن يتجنب اللجوء إليها خاصة في هذه المرحلة المصيرية ، لأنها أضحت غاية إسرائيلية أكيدة ومكيدة دبرت بليل لتدمير إنجازات الشعب الفلسطيني وللخلاص من قضيته وقيادته ، خاصة إن أطلق طلقة واحدة من مسدس عميل ينتظر على أحر من الجمر لتنفيذ مهمته ، ومطلب حمساوي واضح للولوج للضفة الغربية بعد أن ينظفها أمامهم الإسرائيليين من الأعداء الفتحاويين والآملين أن ينعموا بالأمن والسلام أسوة بجوار غزة دون أن ينعم الفلسطينيين بمثل ذلك ، خاصة بعد أن أثبتت حماس أنها الأقدر على خدمتها وتحقيق الأمن للشعب الإسرائيلي في كامل فلسطين ، وبعد أن تمكنت من إحداث هذا التغيير في العقل الفلسطيني والنهج العربي الذي انتقل أكثريته من القومجية الصادحة الرادحة ، إلى الإسلمجية الفاضحة لنفسها المتلحفة بثوب المقاومة والمانعة لها ، لنجاحها بسلب الدين أسمه وسلب المقاومة حقيقتها وخصوصيتها .
Alqaisi_jothor2000@ yahoo.com