تصورت للحظة أن خطبة صلاة الجمعة, وفي كافة المساجد ستتناول موضوعا واحدا فقط ؛ يتحدث عن المخاطر الكبيرة التي تحيط بالمسجد الأقصى, من تهويد للقدس والمقدسات, وحفريات تحت المسجد الأقصى تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل المزعوم الذي بات أقرب إلى الحقيقة ( إذا لم يجد الكيان الصهيوني من يردعه ) بعد بناء كنيس الخراب على مرأى من الأقصى, في تحد سافر وغير مبال بكل العالم العربي والإسلامي: الرسمي والشعبي. نعم, تصورت أن يكون حديث خطباء وزارة الأوقاف الإسلامية المعنية بالمقدسات الإسلامية بالدرجة الأولى في هذه الجمعة المباركة لتذكير الناس بأهمية هذا المسجد, وحقيقة الصراع بيننا وبين الصهاينة, وفضح المخططات وشحذ النفوس استعدادا ليوم النفير.
لكنني حقيقة صدمت كثيرا عندما كان الخطباء يغردون في واد آخر بعيدا عن هواجس المسلمين ومشاكلهم الكبيرة, وقضيتهم الأولى, لدرجة أن المصلين يريحون العقول والجفون إلى أن يقول الخطيب: أقم الصلاة , ليخرج الناس بعد الصلاة لسماع هتافات أخرى غير بالروح بالدم نفديك يا أقصى, بل ليسمعوا هتافات البطاطا والبصل..؟!!
الغريب في الأمر أن الخطباء لديهم إطارا عاما لموضوع الخطبة, وعلى الخطيب الالتزام التام بهذا الإطار وعدم الخروج عنه وإلاّ...؟! وهذا الخط والنهج موضوع من مديريات الأوقاف التي توجه الخطباء وتختارهم بحيث يكونوا من النوع الذي يجعلك تؤثر النوم أثناء الخطبة على السماع الذي يرفع ضغطك ويسبب لك القهر والحيرة..؟! بحيث تخرج وأنت تهرف بما لا تعرف ...؟!
إن وزارة الأوقاف معنية بالدرجة الأولى في أن تكون هي المبادرة والرائدة لعمل وتوجيه الناس من خلال المساجد ووسائل الإعلام المختلفة؛ لبيان مخاطر المؤامرات التي تستهدف المسجد الأقصى وتهويد كامل القدس, من خلال هدم المنازل ودفع المقدسيين للهجرة وإفراغ القدس من أهلها... أليس من الأولى أن تقوم الوزارة بحشد الناس وتعبئتهم؟
فبماذا نفسر إذا الخطاب الرسمي للحكومة من بيانات تصدر من حين لآخر(على ضعفها ) بالتحذير من الممارسات ( الإسرائيلية ) اتجاه المسجد الأقصى, في حين يغرد الخطباء الرسمين للوزارة في هذا الوضع الحرج والخطير في واد آخر وكأن الأمر لا يعنينا بتاتا...؟! أهو استخفاف بعقولنا؟ أم تميع للأمة؟ لا شك أن هنالك ازدواجية بين التصريحات من جهة, والواقع الذي نراه ونلمسه من جهة أخرى, بين الشعارات التي نسمعها, وبين الأفعال التي نراها..!؟
إن المسجد الأقصى وتحرير فلسطين هي مسؤولية الأمة بكاملها, وإن هذا الصمت العربي الرسمي إزاء ما يجري في القدس لا يمثل ضعفا وتخاذلا أبدا..؟! بل هو جزء من المشروع الصهيوني الكبير في المنطقة, الذي بات أمرا مكشوفا, ما لم يثبت العكس, لذلك ما عدنا نسمع حتى بيانات الشجب والاستنكار, مما يعني أمرا واحدا فقط, وهو الإقرار الرسمي العربي للكيان الصهيوني بكل ما يجري على أرض الواقع, ولسان حالهم يقول: افعلوا ما شئتم, فقد غفرنا لكم.
rawwad2010@yahoo.com