إذا كان مفيدا أن نشجع الاستثمار المحلي والأجنبي ،تعظيما لمنافع كثيرة ؛فإن من المفيد أيضا العمل على تعطيل الاستثمار في الفشل، وتقليص فرص نمو معدلات هذا النوع من الاستثمار ،بل والعمل من أجل تعزيز فرص النجاح ،محاصرة للفشل وتحجيما للاستثمار فيه. ما هي الفكرة؟ الفكرة أن المواطن لا يغضبه اليوم شكل النظام السياسي الأردني .كما أن التيارات السياسية والاجتماعية في الأغلب الأعم لا تطرح بدائل جذرية ،ولا تستطيع تقديم خطاب ثوري . ولا توجد في البيئة الأردنية مقومات حقيقية لأي فعل ثوري. وما هو متوفر في البيئة الأردنية أجواء عامة من السلبية والاحباط ، تستند إلى أخطاء الادارات الرسمية ، وتسليط الأضواء عليها.
لا يستطيع أي محرض في الأردن أو في الخارج الاستناد إلى معطيات ووقائع تتعلق بمظالم تاريخية أصابت فئة من فئات المجتمع،أو الاتجار بممارسات قمعية ودموية قامت بها الدولة الأردنية ضد فصيل سياسي أو شريحة مجتمعية . ولن يجد أي متربص سوى نمط من الحكم الرشيد المستند إلى ميراث من التسامح والعقلانية والانفتاح .
لذا فنحن اليوم نجني ثمار العقلانية الهاشمية والرسمية الأردنية التي طبعت نظامنا السياسي وتجربتنا السياسية . ففي أجواء الربيع العربي يستطيع أحدهم أن يستثمر في دموية وجرائم الأنظمة البوليسية في تونس أو مصر أو سوريا أو ليبيا ،لكن الأمر مختلف بالنسبة للأردن ؛فلن تسعفهم الوقائع ، ولن يسعفهم الأرشيف الأردني للاستناد إلى مجزرة هنا ،أو مقبرة جماعية هناك ،أو سجن أو نفي أو تشريد أو مطاردة أصابت هذا المناضل أو ذاك ،أو ألمت بهذا الفصيل السياسي أو ذاك. بحمد الله تاريخنا ناصع البياض ،فليخيطوا بمسلة أخرى.
مسلتهم التي يخيطون بها هي الاستثمار في أخطاء الدولة ،وفي المصاعب الاقتصادية ،و في شح الموارد الطبيعية ،وفي عجز الموازنة،و في المديونية المتراكمة ،وفي الفقر، وفي البطالة ،و في الفساد ،و في أخطاء مسؤولين قفزوا الى مواقعهم في ظل معادلات المحاباة ،وتصعيد أهل الولاء الزائف على حساب أهل الولاء الحقيقي والكفاءة والجدارة! هذه هي مسلتهم ،الاستثمار في الفقر والبطالة والفساد.هذه هي منظومة الوجع الأردني ،فالأردني لا يريد سوى مكافحة الفساد ،وحماية مقدرات الدولة وتوزيعها بعدالة بين الأردنيين بكافة أصولهم ومنابتهم ومناطقهم وشرائحهم ،وإلغاء حقيقي لكل أشكمال التمييز بين الأردنيين في القطاعين العام والخاص،هذا مايطلبه الأردنيون؛وهذه هي ملامح المطالب المطروحة في الأفق الاصلاحي الأردني ،أما الانقلابات الفكرية والسياسية فلا وجود لها في المخيال السياسي العام .
إذا نحن أمام حقيقة تقول أن الجزء ألأساسي من الخطاب السياسي المعارض بألوانه ،هو في الحقيقة خطاب إحتجاجي غاضب عاتب، يستثمر في الأوجاع التنموية والتشوهات الاقتصادية والاجتماعية . وهو خطاب إدانة لا خطاب برامج . مع سعي عبر بوابة الخطاب الاحتجاجي هذا إلى إنتاج حالة ثورية تدريجية مؤجلة النتائج! فقانون انتخابات يمنح حزبا ما السيطرة الكاملة على البرلمان ،مقترنا بتعديلات دستورية للمواد 34و 35و 36 كما يطالب هذا الحزب وحلفاؤه ، لن ينتج على مدى سنوات قليلة سوى دولة مختلفة شكلا ومضمونا. لذا فإن العقلاء يجمعون على أن الدولة معنية اليوم باغلاق منافذ الغضب والعتب ومبررات الشكوى والتذمر، وملزمة بإبطال مفاعيل الخطاب التحريضي الداخلي والخارجي، وإعمال كل الطاقات لتحقيق نجاحات تنموية وطنية شاملة .