يطلق مصطلح البادية على المجتمعات الرعوية التي شهدت تحولا ً من مجتمعات تعتمد على الترحال والتنقل مع مواشيها حسب توفر الكلأ والماء إلى مجتمعات مستقرة ـــ من خلال قيام الدولة بتوفير مختلف الخدمات الأساسية لهذه التجمعات من تعليم وصحة ومياه وكهرباء...الخ ـــ تتطلع إلى التحضر، بحيث قل اعتمادها على الرعي وتربية المواشي، والتحاق أبنائها بالوظائف الحكومية.
وتنفرد البادية الأردنية بعمقها الجيوستراتيجي فهي التي تمنح للأردن جواره مع كلا من سوريا والعراق والسعودية وفلسطين، إذ تعد بمثابة الواجهة البرية للأردن المنفتحة على تلك الدول. ولقد أكسبها الامتداد المجالي نوعا ً من التباين على مستوى الأشكال التضاريسية والخصائص المناخية والتشكيلات النباتية.
يبلغ عدد سكان البادية الأردنية حوالي 379734 ألف نسمة أي ما نسبته6.5 % من إجمالي سكان الأردن، وهؤلاء يعيشون على مساحة تقارب 73054 كم2. وتتكون إداريا ً من البادية الشمالية ( لواء البادية الشمالية الغربية، لواء البادية الشمالية الشرقية، لواء الرويشد)، والبادية الوسطى ( لواء الجيزة، لواء الموقر، قضاء الضليل، قضاء الأزرق)، والبادية الجنوبية ( لواء القطرانة، لواء الحسا، لواء الحسينية، لواء القويرة، قضاء أذرح، قضاء أيل، قضاء الجفر، قضاء المريغة، قضاء وادي عربة).
وغداة الاستقلال ركزت الدولة مجهوداتها التنموية على القطاعات والمجالات التي توفر شروط الاستثمار المربح والتراكم المالي، بينما ظلت باقي المناطق على الهامش. وهي سياسة مبنية على منطق اقتصادي يؤدي في النهاية إلى توزيع المجال إلى مناطق منتجة نافعة قابلة لأن تدمج في الاقتصاد العصري، ومناطق هامشية لا تتوفر فيها هذه الشروط.
والبادية الأردنية تشكل جزء من هذا الهامش، فعلى الرغم من تدخل الدولة المبكر الذي طالها \" مشروع توطين البدو\" إلا إنها ظلت تعاني من تراكم مظاهر التأخر سنة بعد أخرى، لأن التدخل كان في إطار إستراتيجية اقتصادية تعتمد المقاربة القطاعية والتي لم تمكن البادية من الاستفادة منها، ومن أجل خلق نوع من الدينامية وبحثا ً عن الاندماج السوسيواقتصادي عمد سكانها على الاعتماد على الاقتصاد المشروع الذي شكل دعامته الثنائية الشهيرة \"تربية المواشي والالتحاق بالوظائف الحكومية\".
وتعيش البادية الأردنية ازدواجية متناقضة، فبينما يسلط عليها الضوء من قبل الباحثين والدارسين بكيفية مسترسلة، نراها بالمقابل تشهد تأخرا ً ملحوظا ً فيما يخص المشاريع التنموية. هذا الوضع يجعل من تنمية البادية قضية وطنية، ضمن رهانات التحولات الاقتصادية الوطنية والدولية، وذلك باعتماد آليات كفيلة بإحلال التوازن بين الموارد المحدودة وزيادة السكان، وجعل المنطقة في وضع مناسب لاستقطاب الاستثمارات. ومن أهم المشاريع التنموية التي استفادت منها البادية الأردنية، نذكر على سبيل المثال: مشروع حوض الحماد الأردني، وبرنامج بحث وتطوير البادية الأردنية، والبرنامج الوطني لإعادة تأهيل وتطوير المراعي، ومشروع تحسين الإنتاجية الزراعية في الأراضي الجافة وشبه الجافة، والبرنامج الوطني لزراعة الأعلاف. فهذه المشاريع ــ على ندرتها ــ جاءت في ظروف خاصة لم تراع الخصوصيات المحلية، فكانت محدودة من جهة وانتقائية من جهة ثانية، فطبيعي إذا لا تعطي النتائج المتوخاة منها.
وعلى الرغم من هذه التدخلات المبكرة للدولة في البادية، فالاستفادة ظلت أقل من المطلوب، لكونها كانت مطبوعة بصبغة تقنية ومقاربة قطاعية، ارتكزت أساسا ً على القطاع الزراعي، رغم محدودية الإمكانيات الزراعية بالبادية الأردنية.
فسياسة ممارسة التنمية في الأردن تميزت بهيمنة هذه المقاربة واتسمت كذلك بالتدبير المركزي، ولم يكن وارد لدى السلطات العمومية مساهمة المواطنين في تحديد الاختيارات وتنفيذ التدخلات. فمعالجة إشكالية تنمية البادية الأردنية إلى يومنا هذا سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي تمت من خلال زاوية التهميش.
وبناء على ما سبق، لا بد من وضع إستراتيجية تنموية للبادية الأردنية تقتضي بالضرورة توحيد رؤى الفاعلين والمتدخلين، وتعبئة جميع الموارد التي يتيحها المجال، والإنخراط الفعلي لكافة مكونات المجتمع.
د. فيصل المعيوف السرحان
دكتوراه في التخطيط الإقليمي والتنمية
المفرق/ سما السرحان
faisal_mayouf@yahoo.com