الكياسة من حسن السياسة، والكلمة الطيبة السلسلة هي عملة السياسيين وبضاعتهم الرئيسة، والسياسي الناجح البارز هو من يملك لساناً دافئاً ليناً، وسرعة بديهة، وقدرة فذة على القفز عن الحواجز دون أن يتلوث أو يؤذي أحداً.
مشكلة حكومة دولة الرفاعي الرئيسة تكمن في بعض وزراء يتقنون فن التصعيد واستعداء المواطنين، والهبوط بشعبية الحكومة إلى الحضيض، وكأنَّ التزام الحكومة بعدم البحث عن شعبية، يعني الذهاب بعيداً عكس ما يريده الشعب، وتوسيع الشقة بين الحكومة والشعب دون تحقيق أية مصلحة وطنية، بل العكس هو ما يحدث!
فن التصعيد وخلق الأزمات وإحراج الحكومة وعدم القدرة على إدارة الأزمات، هي عناوين بارزة طغت في الآونة الأخيرة بسبب مجموعة من الوزراء المراهقين سياسياً، من الذين لم يستوعبوا الدرس بعد، أو هم من الذين يرون أنفسهم أكبر من التعلم وأفضل من الجميع، وكأنَّ منصب وزير ولقب معالي يعطيهم الحق بأن يقولوا ما يشاءون، ويتصرفون كما يحبون، دون حسيب أو رقيب، والمواطنون في نظرهم لا شيء، ولا قيمة لهم، ولا تقدير لهم ولمشاعرهم.
وزراء التصعيد هم قوى شد عكسية، تعيق عمل الحكومة، وتحرفها عن عملها الأساسي، وتعمل على انفضاض المواطنين من حول الحكومة ودعمها، واصطفافهم ضدها وضد سياستها، خاصة إذا لم يجدوا ردة فعل مناسبة من رئيس الحكومة، وعدم اتخاذه أي إجراء يفهم منه عدم رضاه عن زمرة التأزيم.
إنَّ شبق التصريحات الذي يتلبس البعض يجب أن يكبح ويلجم قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه، وأن تخضع تصريحات هؤلاء إلى تدقيق قانوني وسياسي وإعلامي قبل أن تخرج من أفواههم، وإن يصمتوا خيراًَ لهم، وليكن شعارهم \"لسانك حصانك\".
كمواطنين نتمنى لهذه الحكومة أن تنجح، وأن تنفذ برنامجها الوزاري ترجمة لكتاب التكليف السامي، ولا نحب لها أي انتكاسة أو عثرة مهما كانت، فقد مللنا الخيبات والترفيع التلقائي للحكومات، ولكن أن تأتي المطبات من داخل الحكومة، وأن تكون عوامل الهدم داخلية أشبه بالسوس، فهذا مؤشر أنَّ من لا يريد للحكومة أن تنجح هم فئة من داخلها ومن طاقمها، سواء أكان ذلك بقصد أم بغير قصد، لأنَّ الأمور بنتائجها، ولا اعتبار للنيات في العمل السياسي.
صحيح أنَّ التعديل بعد أقل من أربعة شهور من تشكيل الحكومة يعتبر مبكر جداً، ولكن الإبقاء على عوامل الهدم فيها لا يخدم الحكومة ولن يبلغها مأمنها، ولا يساعد على التفاف شعبي أو تقبل شعبي لها ولقراراتها، وعليه فإنَّ جراحة اضطرارية للحكومة، يعتبر ضرورياً في هذه المرحلة؛ للتخلص من العبء والمرض السرطاني الذي يدب في أوصال الحكومة، قبل أن يستفحل الداء، ويصعب علاجه إلا بجراحة شاملة لن تكون في صالح أحد من الفريق الوزاري.
يقول المثل: (شو بريحك من الولد ... قال: طلاق أمه) ووزراء التأزيم والتصعيد لا حل لهم خاصة من تكررت أزماتهم إلا بتسريحهم من الوزارة، فالمكتوب ظاهر من عنوانه، فثلاثة شهور أو أربعة كافية للحكم على البعض، ولا داعٍ لمزيد من إضاعة الوقت طلباً للتحسين وتعديل السلوك، فالظرف لا يتحمل أن تتحمل الحكومة وبالتالي الوطن أخطاء وزراء تسببوا بكوارث وطنية وأزمات داخلية، فالوطن أكبر من الجميع، وأمن المجتمع واستقراره أهم من أي وزير لم يؤدي واجبه كما ينبغي، وعند البحث في أية مشكلة أو أزمة يجب البحث عن المتسبب بها لتحميله المسؤولية كاملة.
الأوضاع بالغة الصعوبة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، وهي مرشحة للتصاعد، والمواطن العادي هو الضحية وهو المتضرر أولاً وأخيراً، وفي هكذا ظروف يفترض أن تكون الحكومة عوناً للمواطنين وعامل تخفيف وتلطيف وإسناد، وقيادة المواطنين لتجاوز الأزمات بأقل الخسائر. أما أن تجتمع الظروف الصعبة والحرجة مع زمرة من الوزراء على المواطنين طحناً وضغطاً فهذا وضع لا يقول به عاقل، وهو ضد بدهيات السياسة وأبجدياتها.
المواطنون ينتظرون ويترقبون خطوات واضحة وجدية وفاصلة نحو نزع فتيل الأزمات، ليس رضوخاً للضغط الشعبي، وإنما استجابة لمنطق السياسة الذي يرى في التوجهات الشعبية بارومتراً صادقاً يفترض أن يؤخذ في الحسبان، لأنَّ تجاهله يمكن أن يفاقم الأوضاع، ويفرخ المشاكل، ويفتح على الحكومة جبهات لم تكن في حسبانها، وهي في غنى عنها، فالمتربصون كثر، والمتصيدون في الماء العكر على أهبة الاستعداد، والمتسلقون حبال الوطنية ماهرون.
وليكن في علم الحكومة أنَّ من يجاهرونها النصح والمعارضة، هم مخلصون لها وللدولة، ولا يغرنَّها بعض المطبلين والمزمرين، فهؤلاء جاهزون لكل زفة، ولهم في كل عرس قرص.
mosa2x@yahoo.com