منذ مؤتمر القمة العربية الأول الذي انعقد في القاهرة عام 1964م ، وكل المؤتمرات العربية تلتئم من أجل دراسة حيثيات وتطورات القضية الفلسطينية وسبل دعمها ، فعندما أنعقد مؤتمر القاهرة الأول تحت اسم قمة فلسطين ، بحث القادة العرب المؤمنين بأهمية وبعدالة قضية فلسطين في نقطة واحدة مثلت جميع نقاط جدول أعماله ، وهي ضرورة تقديم كل الدعم العربي الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية التي كادت توشك على الضياع والاندثار ، وعلى أهمية المساعدة والعمل لإيجاد مرجعية فلسطينية فاعلة تمثل الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وفي أرض الشتات ، وتنقل همومه ومطالبه إلى كافة المؤسسات والهيئات الأممية والعربية والإسلامية المعنية بالقضية الفلسطينية ، وتكون قادرة بالدفاع عنه وقوية للحد الذي يؤهلها للمشاركة مع الجهود العربية المبذولة لتحرير فلسطين وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه .
ومنذ ذلك الحين وتلك القمة الأولى الشهيرة ، دائما كانت وما زالت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني التي التف حولها الشعب الفلسطيني ، ورضي بها العالم وتعامل معها بصفتها القانونية والقيادية والشرعية ، هي من تشغل مقعد فلسطين في القمم العربية وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وفي كل منظمات الأمم المتحدة الأخرى ، وفي كافة المنظمات الإسلامية وفي المحافل الدولية ، وتدافع عن حقوق الفلسطينيين عبر مؤسساتها وأجهزتها الرسمية وأذرعها الثورية بما يتوافق والشرعية الدولية ، التي أعطت الفلسطينيين كل الحق باستخدام كل طرق وأساليب النضال والمقاومة للوصول لحقوقهم المشروعة التي فقدت بفعل الإحتلال .
إلا أنّ هذا الواقع السياسي والنجاح الكبير الذي تحقق بفضل نضال شعبنا الفلسطيني وقيادته الشرعية لم يرق للأعداء الراغبين بطمس القضية الفلسطينية وإنهائها وعلى رأسهم دولة إسرائيل ، أو من غير القادرين على تفهم تداخلات وقوة تأثير الواقع الدولي السياسي بسلبياته أو إيجابياته عليها ، أو من الآخرين الراغبين بتسليم القرار الوطني الفلسطيني للغير الفلسطيني لقيادتها لحتفها ، خاصة بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية كمقدمة لقيام دولة فلسطين الحرة المستقلة وعاصمتها القدس ، وتمكنه من إجبار بعد إقناع العالم على القبول والعمل لإقامة دولة فلسطين ، وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم إن أريد للعالم الخروج من همومه ومشاكله وخاصة العسكرية والسياسية منها .
وكنتيجة طبيعية للصمود الفلسطيني الأسطوري في معركة البقاء والتحرير تعرضت منظمة التحرير الفلسطينية وقواها الوطنية الحية للكثير من المتاعب والعراقيل التي صنعها الإحتلال الإسرائيلي ، والتي كانت تهدف بمجموعها إلى محاولة اجتثاثها بالدهاء والمكر السياسي ، أو بالقوة العسكرية المباشرة على يد جيش الإحتلال ، أو بواسطة بعض الأيادي المتعاونة معه ، والتي كان من أخطرها ما أملت إسرائيل بتحقيقه من وراء اجتياحها لبنان سنة 1982م ، والتي فشلت وتحطمت بفضل صمود الشعب الفلسطيني واللبناني والثورة والقيادة الفلسطينية ، وبفضل الدعم العربي الرسمي والشعبي اللامحدود خاصة من قبل الأخوة والأشقاء في الأردن ومصر والسعودية ، الذي أفشلها وأفشل كل المحاولات التي كانت تهدف لتجاوزها ومحاولة ايجاد مرجعية جديدة يقبل بها الشعب الفلسطيني .
وبعد استشهاد القائد الرمز ياسر عرفات واستلام الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن ) لسلطاته الدستورية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية ودولة فلسطين ، تعرضت منظمة التحرير الفلسطينية والشرعية الفلسطينية وشخص الرئيس للكثير من المحاولات والهجومات المسعورة من أطراف معادية شتى تزعمتها إسرائيل والتي هدفت كلها لدق إسفين بين الشعب وقيادته ، بهدف خلق حالة عامة فلسطينية جديدة تكون مستعدة ومهيأة للقبول بإزاحة منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الفلسطينية الشرعية ، لصالح قيادة ومرجعية جديدة مقامرة تتلاعب بالمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ، وتقبل بتسليم قراره الوطني لقوى داعمة لها راغبة بحل مشاكلها على حساب حقوق شعبنا وثوابته ومصير قضيته ، كما وتعرضت السلطة الوطنية الفلسطينية لمحاولات تفشيلها بقرار إتخذه الإحتلال وداعميه وأعوانه ، إلا أنّ كل هذه المحاولات فشلت بفضل وعي شعبنا الفلسطيني وصبره وتحديه ، وبفضل التأييد الكبير من شعبنا العربي وقياداته ، وهنا يسجل لجميع الدول العربية بلا استثناء مواقفها الوطنية والقومية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه قيادتها الشرعية ، والتي رفضت بحزم وإصرار كل محاولات تقزيم أو تجاوز دور منظمة التحرير الفلسطينية بالقمم العربية المتتالية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني ، وهو الموقف الطبيعي الذي ينتظره دائما الشعب الفلسطيني من عشيرته وأهله وأشقائه .
وكما هو معلوم فإن القادة العرب سيجتمعون قريبا في ليبيا الصمود ، أرض الأحرار ووطن العزة والنضال والكرامة ، بلد الشهيد عمر المختار الذي علّم الكثيرين معاني النضال والحرية ، وخط بدمه الطاهر مقولة ( نموت أو ننتصر ) ، فالشعب الفلسطيني ينتظر من قمة ليبيا مساعدته لتحقيق الواقع الذي إختاره ونذر بقاءه ليحقق شعاره ومقولة الشهيد عرفات ( خلقنا لننتصر ) ، ومن القادة العرب المخلصين لأمتهم والأوفياء لفلسطين المزيد من الدعم للسلطة الوطنية ولمنظمة التحرير الفلسطينية لتكون قمة فلسطين بإمتياز ، والمزيد من التأييد لمواقف الرئيس أبو مازن الوطنية الراسخ والثابت على مواقفه الوطنية القائل (نحن اليوم على يقين من حتمية الانتصار ) ، والحريص بصدق وأمانة على المصلحة العليا لشعبنا الفلسطيني ، من أجل المساهمة ببناء دولة فلسطين وعاصمتها القدس ، ومن أجل تحقيق الوحدة بين جناحي الوطن والدفع نحو المصالحة الوطنية الفلسطينية عبر الأشقاء المصريين الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل اتمامها ، والتي تعمل الشرعية الفلسطينية بكل طاقتها لإنجاحها وتحقيقها بهدف تقوية وتمتين الصف والنسيج الوطني ، ويدفع جميع أحرار العرب والعالم بكل تفان وحب وإخلاص من أجل الوصول إليها .
فالقدس التي تأبى التهويد ، وفلسطين التي تأبى الضياع ، والحقوق التي تأبى النسيان ، والأقصى الذي ينادي القادة لتحريره والصلاة فيه ويأبى أن يدنس ويدمر ، والشعب الحي الذي يأبى الخنوع والاستسلام ، وكنائسها ومساجدها التي تأبى التحول إلى كنس ، حتى قبور الأنبياء الأطهار ومقاماتهم التي تأبى أن تسرق سيرتها وإرثها من لمم الشعوب ، اللذين صدّقوا كذبتهم بملكيتهم تاريخ ، هم كما نحن كما غيرنا يعرفون بإنه مزيف مزعوم ، ففلسطين كلها بقدسها وبشعبها وبمقدساتها ، تنتظر من الزعماء العرب نصرتها ، ومزيد من الدعم ومزيد من الجهود ، من أجل تحرير الأرض والشعب والمقدسات وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .