في المنهجية الفكرية والحركية الاخوانية المشاركة هي الأصل،والعزلة والمقاطعة ليس لها مكان ،وهي الاستثناء. والتاريخ السياسي للجماعة في الأردن يتلخص في رحلة البحث عن الذات عبر المشاركة.وقدمت المشاركة الاخوانية خيرا عميما للبلد وللاخوان. وفي التاريخ السياسي للجماعة خارج الأردن كان النظر للتجربة الاخوانية في الأردن يتراوح بين الغبطة والرغبة في التأسي والمتابعة. ولم يكن لإخوان الأردن لحظات مواجهة حقيقية مع الدولة ، وكان من الطبيعي عدم التلاقي في كل القضايا والاتجاهات والسياسات والقرارات ،لكن النسق العام للعلاقة كان يميل دائما نحو التوافقات المفتوحة المرنة .
التحليل يقول أنه ليس في الجسم الرسمي تيار واسع أو قوي يدفع باتجاه المقاطعة الاخوانية للانتخابات النيابية القادمة ،وانه ليس في الجسم الاخواني تيار واسع وفاعل لا يريد المشاركة . مع ضرورة عدم تجاهل صراعات ومناكفات الصقور والحمائم ،وهي تدخل في إطار صراعات مراكز القوى داخل الجماعة أكثر من دخولها في سياقات العلاقة مع الدولة،ولعل التصريحات المنسوبه للسيد خالد مشعل توضح جانبا من الصورة . العلاقة بين الاخوان والدولة يمكن تشبيهها بعلاقة حب خفي بين طرفين لا يجيدان التعبير عن مشاعرهما ،ولا يرغبان بالإفصاح الكامل عنها ،خشية الوقوع في محاذير كثيرة. وعليه إذا كان التيار العميق والرئيس في الدولة يتوق لمشاركة إخوانية ،يقابله تيار عميق في الجسم الاخواني يتوق للمشاركة أيضا، فما العائق للوصول لهذه المشاركة ؟
الأمر يتعلق بشروط وبيئة وأجواء ومحددات وظروف ونتائج المشاركة لدى الطرفين.الدولة وعلى رأسها جلالة الملك ترحب بالمشاركة الاخوانية ،وتقول لقد قدمنا الكثير لتهيئة بيئة المشاركة ،وأنجزنا جملة خطوات تتجسد في التعديلات الدستورية ،وتأسيس المحكمة الدستورية، والهيئة المستقلة للانتخابات ،وإصدار قانوني الانتخاب والأحزاب . والتأكيد الملكي بأن الانتخابات البرلمانية المبكرة القادمة ستكون مثالا للنزاهة ، وستقودنا إلى حكومة برلمانية . والأهم أن جلالته يؤكد أن هذه السلة الاصلاحية لا تشكل سوى (الوجبة الأولى). أما على الطرف الاخواني فنجد حديثا عن شروط ومطالب ومخاوف . المخاوف مبنية على تجارب سابقة ،والمطالب تتصل بشكل ومضمون النظام الانتخابي ،وتحديدا فيما يخص الصوت الواحد ،وترتبط باجراءات العملية الانتخابية على الأرض ،لكنها تتعدى صياغة نظام انتخابي يلبي طموحات الجماعة للسيطرة على المجلس النيابي القادم ،الى تعديلات دستورية تمنحها القدرة على صياغة المشهد السياسي الاردني المستقبلي برمته . وهنا ندخل دوامة المخاوف المتبادلة ،فالدولة بمكوناتها ،وقوى مجتمعية وسياسية متنوعة وهامة تعبر عن مخاوفها من شهية إخوانية مفتوحة لالتهام الكعكة كلها بغير وجه حق، مدفوعة بزخم التحولات الاقليمية في هذه المرحلة .
في المحصلة فإن المصلحة المشتركة للطرفين تتمثل في المشاركة ،لكن الاختلاف ينحصر في المحددات والظروف والمآلات،ومن المؤكد أن المخاوف المتبادلة تنتج أزمة ثقة خانقة ،تعيق فتح الطريق أمام المشاركة المثمرة والمريحة للجميع.
العملية الانتخابية القادمة تعد منعطفا هاما في العملية الاصلاحية ، ومشاركة القوى السياسية كلها ستمنحنا القدرة على تحقيق انعطافة آمنة نحو مستقبل سياسي واعد يفتح الأفاق أمام عملية تحول ديمقراطي حقيقية .
هذه الحقائق واضحة أمام الجميع، لكن لعبة عض الاصابع هي السائدة الآن ، وكل يريد الوصول إلى لحظة الحسم بأقل الخسائر وبأعظم المكاسب. والجميع الدولة والإخوان والقوى السياسية التقليدية والحراكية الجديدة يدركون أن الاخوان يشكلون بيضة القبان في معادلات المشاركة والمقاطعة ، لذا فإن الراغبين بانجاز عملية انتخابية ناجحة تشكل تتويجا لعملية إصلاحية مثمرة يدفعون باتجاه مشاركة إخوانية ،أما الراغبون بإفشال العملية الانتخابية القادمة وبالتالي تعميق أزمات الوطن فيدفعون الأمور نحو مقاطعة إخوانية. والراغبون في مقاطعة الاخوان للانتخابات هم الغاضبون بلا رؤيا ،والمحبطون بلا أمل ،والطامحون بلا أدوات ،والمعارضون لأجل المعارضة. فهل يعي الجميع خطورة المقامرة بدفع الأمور نحو خيار المقاطعة؟ والسؤال الأهم :حتى متى تبقى الحياة السياسية رهينة جدلية المشاركة والمقاطعة الاخوانية؟