زاد الاردن الاخباري -
خاص - كتب :الأستاذ الدكتور أنيس خصاونة - لم يعد خافيا للمراقب سياسي أو للمواطن المهتم بالشأن العام بان هناك انعطاف لا بل تراجع كبير في توجه النظام السياسي الأردني ونواياه المتعلقة بالإصلاح السياسي . بداية هذا التراجع وتلك الردة تعود لأواخر أيام الحكومة السابقة واستمرت بالانتكاس من خلال تدخل الديوان الملكي والأجهزة الأمنية في إبطاء سير الإصلاح وتخفيض وتيرته والحيلولة دون تحقيق المطالب الإصلاحية للحراك السياسي . أما مظاهر ردة النظام عن تحقيق الإصلاح السياسي فقد تمثلت بتكبيل أيدي الحكومة السابقة وإعاقة قدرتها في إدارة شؤون الدولة، والاستمرار في التدخلات في تسيير الشؤون العامة للبلد والتي هي في صميم عمل الحكومة ، وإعادة إطلاق أيدي دائرة المخابرات العامة في التفاوض مع أطراف سياسية بخصوص مطالب الحراك تماما مثلما استمر دور هذه الدائرة في التدخل بمعظم مفاصل العمل العام ابتداءا من التعيينات في المواقع القيادية وانتهاءا بالموافقات الأمنية على التعيينات في الجامعات وغيرها.
من جانب آخر فإن الاختيار الملكي لشخص رئيس الوزراء فايز الطراونة في هذا الوقت الحساس تحديدا يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الإصلاح السياسي لم يعد في مقدمة أجندة النظام السياسي في الأردن وأن الحديث عنه والتأكيد عليه ما هو إلا ذريعة لإخماد جذوة حراك الشارع الأردني الملتهب وتهدئة الأمور لتمر هذه الموجة التي عصفت بصمت الأردنيين وهزت الأمن والاستقرار الذي طالما استخدمناه وسيلة للاستمرار في خنق حريات الناس وتزوير الانتخابات النيابية بأيدي القوى الأمنية.
الدكتور الطراونة شخصية محترمه لكنه ليس إصلاحيا وتاريخه في العمل العام لا يشفع لصورته وأهليته لقيادة عملية تغيير وإصلاح سياسي حقيقي في الأردن. رئيس الوزراء نشأ بعيدا عن الشعب ولم يتحسس آلامه ولم يعايش همومه منذ أن أكمل الثانوية العامة حيث أحيط باهتمام وعناية ملكية فائقة مبتعثا على حساب الديوان في معظم إن لم يكن كافة مراحل تعليمه ليعود ويعمل في الديون والوزارة والحكومة وهذه هي مجمل خبراته فمن أين ستأتيه الخبرات والمعايشة لهموم وأماني وطموحات وتطلعات الأردنيين . لقد جرب الشعب الأردني الدكتور الطراونه في وزارته الأولى ولم نرى الكثير من الخير على يديه وها هو يعود اليوم رافعا للأسعار، ومؤيدا للصوت الواحد ،ومهددا للأردنيين بالويل والثبور لمن ينتقد ملك البلاد وسياساته في إدارة شؤون الدولة الأردنية. الدكتور الطراونه وإدارته بدأت بالتراجع عن الإصلاح من خلال قانون انتخاب يعتمد الصوت الواحد وكذلك من خلال النهج المستجد للأجهزة الأمنية الذي أصبح يميل إلى الخشونة في التعامل مع المواطنين والمسيرات واستخدام العنف والاحتجاز وربما التعذيب، كما تشير بعض التقارير والصور .
ما الذي حل بالنظام السياسي وما الذي دفعه لهذه الردة عن الإصلاح؟سؤال كبير لا يجد كثير من الأردنيين إجابة عليه. نعتقد أن من بين أبرز الأسباب لهذه الانتكاسة تعود إلى أن النظام أصلا لم يرد الإصلاح كما يشيع النظام عن نفسه والحقيقة أن النظام دفع دفعا للإصلاح وهو مجبر عليه أمام الضغوط المحلية والإقليمية والدولية.الربيع الأردني كان وما زال متزنا ناضجا محافظا على أمن البلد واستقراره ليس من أجل النظام ولكن من أجل الوطن وحرصا على سلامته وسلامة مواطنيه. النظام على ما يبدوا بدأ يشعر بأن الإصلاح السياسي والتجاوب مع مطالب الناس سيفقده القدرة على التدخل في شؤون الدولة من خلال قانون انتخاب يمكن أن يفرز مجلس نيابي ربما يصعب السيطرة عليه وتوجيهه للتصويت بالشكل والاتجاه الذي تريده الأجهزة الأمنية. من ناحية أخرى فإن النظام السياسي لم يعد يستوعب أن تخرج إدارة البلاد والعباد من يده وأن يصبح يقتصر دوره على أمور بروتوكولية واحتفالية كتقبل أوراق اعتماد السفراء ، وتعيين إمام الحضرة الهاشمية ، وتكليف الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة ، وافتتاح البرلمان ، ورعاية المناسبات الوطنية في الوقت الذي كان النظام وما زال محور كل شيء في الأردن ابتداءا من السياسة الخارجية ومرورا بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية وانتهاءا بالشؤون الداخلية.
تراجع النظام عن الإصلاح السياسي أيضا يمكن أن يعود للنخبة السياسية وبطانة النظام المستفيدة من الوضع الراهن من خلال الامتيازات والمواقع والجاه والمال والإبتعاث للجامعات والمعالجات الطبية في داخل الدولة وخارجها. بعض النخب السياسية والاقتصادية تقاوم الإصلاح وتعيقه لأنه يحول بينها وبين مال الشعب ومقدراته مما يدفعها إلى مقترحات ودفوع تهدف إلى التخويف من الإصلاح ونتائجه وانعكاساته بذرائع شتى مثل خصوصية الأوضاع في الأردن، والتركيبة السكانية، والأطماع الخارجية . إن هلع النظام من إمكانية سيطرة المعارضة وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي على وجه الخصوص على مجلس النواب يشكل برأينا أبرز الأسباب التي دفعت النظام إلى التراجع عن الإصلاح لا بل والالتفاف عليه من خلال تعديلات دستورية صورية وقانون انتخاب يحول دون تمثيل حقيقي للشعب الأردني . الأخوان المسلمين ومناصريهم وقواعدهم في الأردن سواء اتفق النظام معهم أو اختلف يشكلون القوة الأكبر والأكثر تنظيما ولا يمكن استثنائهم تحت أي ذريعة تماما مثلما يصعب على النظام وأعوانه والمستفيدين من عطاياه ومكارمه "سواء من فوق السجادة أو من تحتها" استثناء الحراك السياسي المبارك من المساهمة في صياغة مستقبل الأردن السياسي . التغيير قادم برضا النظام أو بدونه والقطار بدأ بالسير ومستمر في التقدم وما على النظام إلا الانضمام إليه وتأييده بدلا من إعاقته والالتفاف عليه ونتوقع من القيادة أن تدرك أن النخب والمستشارين الأمنيين وغيرهم يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم وليس عن مصالح النظام واستقرار الأردن . قدرة أي نظام سياسي على الاستمرار حسب رأي العالمين جبرائيل ألموند وسدني فيربا تعتمد على مرونته وقدرته على التجاوب مع المطالب الداخلية والخارجية فهل يستطيع النظام السياسي الأردني أن ينتصر على مخاوفه وربما أوهامه التي زرعتها البطانة المستفيدة من الوضع الراهن ويتفهم مطالب الشعب العادلة قبل أن يقع الفأس في الرأس ؟