من منا ليس لديه أخ أو إبن أو قريب تخرج من الجامعة حديثا وذهب يطرق أبواب العمل في الشركات الخاصة والعامة والمؤسسات المالية والمصانع بأنواعها. خضتها بتجربة شخصية حين تخرج ولدي قبل سنة و نصف من الجامعة الأردنية كلية الإقتصاد تخصص بنوك و تمويل و تم تعيينه بأحد البنوك الأردنية براتب مذهل... راتب يتناسب و مستوى هذا الطالب الجامعي و مستوى السنوات الأربعة الأخيرة التي قضاها في الجامعة يدرس و يتنقل تحت حر الصيف و زمهرير الشتاء تمتص خلالها الجامعة ما تقوى عليه من قوتنا فلا تبقي إلا النذر اليسير للعائلة بأكملها. رسوم ساعات عالية و متطلبات مذهلة، لا مواصلات معقولة و لا وجبات غذائية مناسبة ولا كتب مجانية ولا مساعدة في مجال الملابس ولا حتى كأس شاي أو فنجان قهوة مجاني بين المحاضرات، لا شيء اللهم فواتير و فواتير تسدد أولا بأول حتى تخرج الطالب بعد جهد جهيد وتلقفته البنوك ليتعين براتب مذهل كما ذكرت! راتب يكفيه مصروفه ومصروف أهله وينفق الزائد عن الحاجة على الجيران.... ويوفر البعض ليشتري سيارة ويجهز للزواج.... هل تعلمون كم كان هذا الراتب؟؟ كان مائتان و عشرون دينارا أردنيا شهريا صافيا بعد خصم ضريبة الدخل و الضمان الإجتماعي وبعض الخصومات الأخرى! بالله عليكم كيف لمائتين وعشرين دينارا شهريا أن تكفي موظفا جامعيا في أحد البنوك التي تملأ الصحف بإعلاناتها بأنها أفضل البنوك وتوزع أكبر الجوائز ثم تنشر ميزانياتها فإذا بها تحقق الملايين؟ كم عدد موظفي البنك الجدد والقدامى؟ هل نتفق على أنهم ربما 1000 موظف مثلا؟ كم يكلف رفع رواتب كل منهم بقيمة مائتي دينار شهريا إضافية، أليست 200.000.00 دينار؟ إذا كم يكلفون في السنة 2.400.000.00 أي مليونين و أربع مئة ألف دينار . ماذا يضر بنكا يربح ستين مليونا سنويا أن تصبح هذه الستون مليونا سبعة و خمسون مليونا و نصف؟ بل لماذا لا تصبح خمسون مليونا فقط هل سينهار البنك؟ هل سيصبح سهمه بعشرة قروش بدلا من عشرة دنانير؟ أعتقد أن هذا البنك بالذات سيصبح سهمه بعشرين دينارا لأنه سيحظى بأفضل الموظفين من حيث الولاء و المثابرة على العمل. لماذا راتب و مكافآت مجلس الإدارة يتجاوز مليون دينار سنويا بينما ألف موظف لا تتجاوز رواتبهم ثلاث مائة دينار شهريا و مجموع رواتبهم ثلاثة ونصف مليون دينار. خمسة أو ستة أعضاء في مجلس الإدارة يتقاضون ثلاثمائة ضعف رواتب صغار موظفيها مع أن العمل كله على صغار الموظفين. هم الذين يحضرون أولا و هم الذين يغادرون آخرا وهم يقومون بالعمل كله بينما أعضاء المجلس يأتون في الأوقات التي تناسبهم و لا يحضرون في كل الأيام. أعتقد أن هذه الممارسات يجب أن تدخل ضمن مفهوم الخجل. على المدير الذي يقدم راتبا لموظف جامعي أقل من 500 دينار شهرياـ عليه أن يستحي، عليه أن يخجل على نفسه، عليه أن يختبيء تحت المكتب، عليه أن يخبيء وجهه و لا يقابل موظفا أو عميلا قبل أن يتجرأ بتقديم مثل هذا العرض لموظف جامعي. عليه أن يعتبر مثل هذا العرض عارا يلحق به و بمؤسسته. أعرف أطباء و صيادلة يتقاضون رواتب لا تتجاوز الأربع مئة دينار. أعرف صيدلانيا يعمل بمائة و ثمانين دينارا و طبيبا يعمل براتب مائتين و خمسين دينارا. أعرف طالبا جامعيا خريج تحليل نظم إدارية بالكمبيوتر و يتقاضى 200 دينار شهريا، عيب هذا بل عار. عيب على أصحاب البنوك و الشركات الكبيرة و التجمعات التحارية، يجب أن تكون هناك حدود دنيا في التعامل الأدبي بين الناس فلا يتجاوزونها و هذه الأعمال لا تقل وصفا على أنها قلة أدب و عيب و عار. لو كانت الشركة لا تربح هذه الملايين فلا بأس، لو كانت في مرحلة التأسيس و لا زالت تطور في قائمة منتجاتها و قائمة عملائها فيمكن أن نفهم أما أن تكون شركات عريقة و تحقق الملايين كل سنة تضاف إلى أرصدة أصحاب الشركات أما الفقراء فيزدادون فقرا و لا يجدون ما يسد قوتهم و جوعهم ثم نلومهم إذا تحولوا إلى مجرمين. لا أبرر لهم تحولهم كمجرمين لكن السبب واضح والجوع كافر. ليس لكبار الموظفين الإنتقال بالسيارات الفارهة أما صغارهم فيتنقلون في باصات النقل العام. يجب أن تكون هناك آلية لتوزيع جزء كبير من الأرباح لا تقل عن النصف أو الثلث على الأقل على صغار الموظفين الذين لهم الفضل بتحقيق هذه النتائج. على شركاتهم الكبرى أن تتكفل بتعليم أبنائهم في الجامعات و تعالج عائلاتهم في أفضل المستشفيات بل و تتحرى أعطال سياراتهم و لا مانع لو استأجرت لهم أماكن العطل السنوية كما تفعل الشركات و البنوك في المغرب و في غالبية دول العالم. رأس المال ليس جبانا و إنما هو لئيم، أناني مصاص دماء. يجب تكفل وجود تشريعات تمنع تغول أصحاب الأعمال و استغلال صغار الموظفين. يجب توفر آلية لتوزيع جزء كبير من الأرباح على صغار الموظفين بل كلهم. يجب أن يعمل أصحاب الأموال على تقاسم لقمة عيشهم مع صغار موظفيهم الذين لولاهم لماتوا هم جوعا. يجب أن تكون هذه أول التشريعات التي يسعى لها نواب المستقبل و يسمونه قانون توزيع الثروة العادل أو قانون (لا موظف يموت من الجوع ومدير يموت من التخمة). هذا الوضع يجب أن ينتهي. وليد السبول walidsboul@hotmail.com