حسان الرواد
يحق للقارئ العربي الاستغراب والتعجب من ربط القمة العربية المقبلة في ليبيا, بالشعر الجاهلي, ولكن على الأقل من وجهة نظري أن لهذا الربط أسبابه التي قد تقنع البعض, وقد ينكره البعض الآخر..
فقد أجمع الكثيرون ممن درس حياة العرب في العصر الجاهلي, على أن الشعر الجاهلي كان مرآة صادقة لمختلف جوانب الحياة, الاجتماعية والاقتصادية, والثقافية, والسياسية إذا ما اعتبرنا القبيلة العربية كيان سياسي.
فقد فصّل الشعر الجاهلي حياة الإنسان العربي أيّما تفصيل, وكان صادقا غير متكلف, لدرجة أن شاعرا كالشنفرى وصف حتى أوساخ شعره الذي لم يغسله مدة عام كامل كما ذكر في لاميته المشهورة....
لكن وجه المقارنة والربط ليس من باب خصال العربي الجاهلي المشرك, وما كان يمتاز به من صفات أخلاقية واجتماعية, تمثلت في الحميّة, والفزعة, والكرم, والشجاعة, والصدق, والوفاء, ففي هذا ظلم له وانتقاص من شيمه المعروفة للجميع, وإنما الربط من ناحية صدق الواقع وتصويره كما هو؛ فكما أن الشعر الجاهلي صوّر العربي كما هو بأدق تفاصيل حياته, كذلك تصوّر القمم العربية أوضاع الواقع العربي الرسمي المؤلمة, والمتمثلة والمتوّجة بالقمة العربية, أما خصال العربي الجاهلي فهي غير قابلة للمقارنة, فأين نحن من قول عمرو بن كلثوم في معلقته الحماسية:
ألا لا يجهلنا أحد علينا......فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقد جهلت علينا إسرائيل, وأمعنت في جهلها وغيّها واستباحت كل شيء: الأرض والعرض والمقدسات, غير مكترثة بأحد, فقتلت, وهوّدت, وطغت, وتجبرت علينا, دون أن يحرك ذلك في الرسميين العرب شيئا, بل بات لطعم الذل الذي تطعمنا إياه إسرائيل طعما لا نستغني عنه.
في المقابل ستشهد القمة العربية في ليبيا وصفا صادقا, غير متكلف للواقع العربي المرير, وربما ستكون مميزة عن سابقاتها من القمم بالصراحة الشديدة, كما ستكون حبلى بالمفاجئات..؟! التي سيكشفها الزعيم الليبي رئيس القمة العربية..؟ ولن تخلو بالتأكيد من مشاهد الضحك ( من مبدأ شر البلية ما يضحك ) التي ستنسي الشعب العربي لفترة زمنية محددة بعضا من همومه الكبيرة, وآلامه الكثيرة, وقد تشهد القمة أيضا تمزيقا لميثاق الجامعة العربية, على اعتبار أنها المنفّرة والمفرقة العربية..؟! ومما لا شك فيه أنها لن تخلو من الردح العربي الأصيل الممزوج بالاتهامات والمزايدات المؤدية إلى المزيد من الانقسامات.
من ناحيتي لم أتشوق يوما لقمة عربية كما هو حال الغالبية العظمى من العرب للأسباب المعروفة ومنها: أنها لا تمثل الشارع العربي بكافة أطيافه, وقراراتها محسومة ومعروفة سلفا, والنتائج واضحة لا جديد فيها سوى المزيد من الانقسامات والخلافات على إصدار البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع , بل وتعطي المزيد من الشرعية للعدو الأول لنا وهو إسرائيل, من خلال مسلسل التنازلات, والتمسك بالخيار الأوحد, السلام الذي لا بديل عنه برغم كل شيء..؟!
أما هذه القمة فأنا وعلى خلاف عادتي في شوق عجيب لمتابعة كل التفاصيل, والحرص على كل شاردة وواردة, وأخبار ما وراء الكواليس, لذا فقد قررت أخذ إجازة قبل القمة بأسبوع لمتابعة أخبارها والجلوس أمام التلفاز للمشاهدة , وعلى الإذاعات للاستماع, وبيدي أقلب صفحات النت, نعم لهذه الدرجة, وقد تستغربون هذا الحرص الشديد, رغم أني قبل ذلك لست بشوق وحماس لمعرفة أخبارها..؟! أما عن السبب فقد ضاقت بي الهموم, وأثقلت صدري الديون, وكابوس هدم المسجد الأقصى, ولؤم بني صهيون.
فقلت في نفسي: ما الذي يمنعني من الضحك قليلا , فلا عيب ولا ضرر في ذلك, وأنا على يقين أن الضحك والاستغراب سيكون عنوان القمة, لما سنشهده من مسرحية تتكرر منذ تأسيس الجامعة, وقبل مسرحية مدرسة المشاغبين..؟!
فهل عرفتم الآن أحبتي القراء العرب سر الرابط العجيب بين القمة العربية المقبلة, والشعر الجاهلي؟ إنه صدق الواقع المؤلم, ومرآة العربي الجريح..مع كامل احترامي لهيبة العربي الجاهلي الذي ما تعلمنا منه سوى الحمّية والشجاعة والكرم والصدق والوفاء والتي باتت عملة نادرة هذا الزمان, عند العرب العربان.
rawwad2010@yahoo.com