لم نسمع رأي العلامة يوسف القرضاوي في نتائج جولة الانتخابات الرئاسية المصرية الثانية بعد نجاح محمد مرسي، على منافسه أحمد شفيق، وأصبح مرشح الإخوان المسلمين رئيساً لجمهورية مصر العربية، وبذلك حقق تحالف المال الخليجي مع دعوات القرضاوي وبركاته، هدفهما، بعد أن انقسم المجتمع المصري، مثله مثل كل المجتمعات المتحضرة التي تحتكم إلى صناديق الاقتراع في ظل التعددية والديمقراطية، انقسم وانقسمت القوى السياسية اليسارية والقومية والليبرالية والقطاع الواسع من المستقلين، بين المتنافسين مرسي وشفيق .
في الجولة الأولى، من الانتخابات الرئاسية، حصل مرسي على مائتي الف صوت، زيادة على الخمسة والنصف مليون صوت التي حصل عليها منافسه شفيق، وعليه يمكن القول: إن الفرق بينهما كان محدوداً، بينما حصل مرشح القوى القومية والتقدمية حمدين صباحي على الموقع الثالث بخمسة ملايين صوت إلا قليلاً .
وفي الجولة الثانية وصل إلى صناديق الاقتراع خمسة وعشرون مليوناً من الناخبين، صوت منهم لصالح مرسي ثلاثة عشر مليوناً، وصوت لصالح شفيق إثنا عشر مليوناً، وهذا يعني أن الذين صوتوا لصالح مرسي لم يكونوا من الملائكة، والذين صوتوا لصالح شفيق لم يكونوا من الشياطين، ولم يكن مرسي ممثلاً للثورة وشفيق ممثلاً للثورة المضادة، لأن الفرق بينهما كان محدوداً في الجولتين الأولى والثانية، ولذلك كيف يمكن إطلاق وصف الملائكة على نصف المصريين ونصفهم من الشياطين ؟ .
حصيلة الأصوات بينهما تدلل على وجود التقارب، وإلا ماذا يعني أن نصف المصوتين في مصر ذهبت لمرسي والنصف الأخر تحقق لشفيق، وهذا يعني أيضاً أن اتهامات يوسف القرضاوي كانت باطلة حينما قال بأن كل من سيصوت لصالح أحمد شفيق سيكون من "قوم لوط" وسيخرج من الملة وعن الدين، ولذلك يمكن وصف دعواته وانحيازه لمرشح الإخوان المسلمين على أنها حزبية بامتياز، ولهذا السبب لم يستجب لها الشعب المصري، بينما حقيقة الوضع أن انقسام المجتمع المصري بين مرسي وشفيق كان انقساماً سياسياً ، بين متنافسين، كل منهما له مؤيدوه ورهاناته ومخاوفه، ومنهم يوسف القرضاوي الذي يملك الحق بالانحياز لمرشح الإخوان المسلمين ودعمه والدعوة لانتخابه، ولكنه لا يملك حق توظيف الدين لمصلحه مرشحه الحزبي، ووصفه له بالمفردات الرفيعة، بينما وصف منافسه وخصمه بالمفردات المؤذية المتدنية !.
ها هو رئيس الجمهورية، مرشح الإخوان المسلمين، يتخذ قراراً متصادماً مع السلطة القضائية، وفي مواجهة المحكمة الدستورية، فكيف ستكون الاصطفافات في الخلاف بين السلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس والسلطة القضائية ممثلة بالمحكمة الدستورية، لا شك أن الاصطفافات ستكون سياسية، ليس لها علاقة بموقف الصواب، وهذا ما فعله يوسف القرضاوي، وما يفعله العديد من الشخصيات العامة أمثاله .