قال تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنَّ الله مع الصابرين) [الأنفال:46]
ما كنت أحب أن أقف هذا الموقف من الأخوة المعلمين، فهم الذين يوجهون الوعي، ويقودون عجلة التغيير، ويصنعون المستقبل. ولكن تلاطم الأحداث، واضطراب الخطى، يستوجب أن أصارحهم حباً ونصحاً وحرصاً. أعلم أنَّ مقالتي قد تثير استياء البعض وربما غضبهم، لكن ما يهمني أن تصل رسالتي واضحة لمن يهمه الأمر، ويبقى ما أكتبه رأياً شخصياً بحتاً.
قبل بداية اعتصام المعلمين بأسبوعين تقريباً، استمعت لبرنامج حواري، أكد فيه أحد أعضاء لجنة إحياء نقابة المعلمين، أنَّ الإضراب عن العمل والاعتصام أثناء الدوام ليس من وسائل وأساليب النقابة المنتظرة، وأنَّ قانون النقابة المقترح لا يتعارض مع نظام الخدمة المدنية، ولمَّا بدأ الاعتصام أمام نادي المعلمين، استبشرنا خيراً بنهضة المعلمين وانتفاضة المهمشين، وكان المطلب الوحيد للمعتصمين هو إحياء نقابة المعلمين، وهو مطلب مشروع يحظى بتأييد وتعاطف الجميع، خاصة مع اقترانه بالاعتصام الراقي للمعلمين أمام ناديهم المغلق في وجوههم.
بعد أن بدأت حركة الاعتصامات داخل المدارس إثر إساءة الوزير، التي شملت مناطق واسعة في الأردن، اعتذر الوزير، وبغض النظر عن كفاية الاعتذار من عدمه، فقد أصدرت اللجنة المركزية للنقابة نداءً بوقف الاعتصام والعودة إلى المدارس، وقبول اعتذار الوزير، ولكن ما حدث أنَّ الأخوة الأحبة في مديريات الجنوب رفضوا الاعتذار، ورفضوا نداء اللجنة المركزية، وكان هذا الأمر حسب اجتهادي أول شرخ في جهود إحياء النقابة، والابتعاد عن الهدف الأساسي، إذ كان الأمل أن تتوحد كلمة المعلمين مهما كانت الأسباب، وأن يلتزم الجميع بموقف موحد مهما كان، وسارت الأمور بانفصال واضح بين اللجنة والأخوة في الجنوب، ولزمت اللجنة المركزية الصمت المطبق، لأنها كما يبدو لا تستطيع أن تقف في وجه العاصفة وإلا اتهمت بالخيانة.
وليسمح لي الأخوة الأحبة في الجنوب أن أقول أنَّهم أعطوا وزير التربية ذريعة ليدلل على تخوفه من النقابة، ولا أستبعد أنَّ الوزير قد تعمد إطلاق إساءته المشهورة بشأن الذقون وشعور المعلمين، في محاولة لاستفزازهم وتشتيت جهودهم، ولينشغلوا بمطالب أخرى أهون وأسهل، وينصرفوا عن مطلب النقابة الأهم والأخطر.
إنَّ مطالب الأخوة في الجنوب قد توسعت على حساب الهدف الأساس، وهو إحياء نقابة المعلمين، وهذا التوسع أعطى مجالاً واسعاً للحكومة للحركة والمناورة، فانفرد دولة الرئيس وبعض الوزراء بممثلي معلمي الجنوب وفاوضوهم بمطالبهم، وتم التركيز على المطالب الثانوية، وتهميش المطلب الأساس بحجة قرار المجلس العالي لتفسير الدستور، واقتراح تفعيل أندية المعلمين أو تأسيس رابطة أو اتحاد بصيغة ما، وبالتأكيد منزوعة الدسم، وستكون نسخة مطورة لأندية المعلمين التي لا أثر لها.
ونجحت الحكومة بنزع فتيل الأزمة، ودق مسمار كبير في نعش النقابة، ويؤكد ذلك اختلاف الرؤى والتصريحات التي تلت الاجتماع وما زالت، وولدت حركة جديدة في عجلون وأصدرت بياناً، ويبدو أنَّ الأيام القادمة حبلى بولادة بيانات أخرى هنا وهناك.
يفترض أن تتوحد الجهود في كافة أرجاء المملكة، لأنَّ هذا الاختلاف وتعدد الجهات، يضعف حركة المعلمين أمام صاحب القرار، ويسهل من مهمة الاستفراد بهم، وتحقيق بعض مطالبهم، والحكومة ذكية جداً، وتلعبها بمهارة، فمن السهل تحقيق بعض المطالب لوأد فكرة النقابة، لأنَّ الحكومة مستعدة لإقالة وزير التربية والتضحية به، ومنح المعلمين علاوة التعليم 5% وتلبية بعض المطالب البسيطة، وعندها يشعر المعلمون أنَّ الحكومة حققت لهم بعض المطالب، وهذا كافٍ مرحلياً، ولتؤجل فكرة النقابة إلى وقت آخر، ولا بأس بأندية معلمين أو جمعية للمعلمين لا تهش ولا تنش، لأنه لا يمكن واقعياً أن تحقق الحكومة جميع المطالب، فهذا يعتبر معيباً بحقها، ويضعفها أمام الرأي العام المحلي والدولي.
ما أحب أن أؤكد عليه في النهاية، ضرورة أن تتوحد كلمة المعلمين في جميع المديريات، وأن ينضووا تحت لواء لجنة واحدة تؤخذ قراراتها بالأغلبية، وأن يحترم الجميع قراراتها ويلتزموا بها، وأن تنحصر مطالب المعلمين بإحياء النقابة لا غير لأنها الأساس، وهي تتولى المطالبة بالمطالب الأخرى، وضرورة تقديم طلب رسمي بإعادة إحياء النقابة، وتوكيل مكتب محاماة معروف لتولي القضية ومتابعتها، وحصر أنشطتهم الضاغطة خارج أوقات الدوام المدرسي.
وكلمة في أذن الحكومة أنها قد تنجح في تجميد مطلب إحياء النقابة، والالتفاف عليه بشكل أو آخر، وهذه الخطوة إن تمت لا تعدو كونها ترحيل المشكلة، ففكرة النقابة لن تموت، وستبقى حلماً لا بد أن يتحقق يوماً ما.
mosa2x@yahoo.com