لم تكن تلك السيدة \\"السلطية\\" - كما وصفها الزميل عبد الهادي رجا المجالي في زاويته- كارهة لوزارة الزراعة و لا حاقدة عليها أو متربصة بها و مشككة بإنجازاتها و مستهدفة نجاحاتها عندما كشفت الاختلاس الكبير مؤخرا بعدة ملايين و غامرت بإمكانية تعرضها لما يمكن التعرض إليه في مثل هذه الحالات الدقيقة. و لا نستطيع أن نصف رئيس وزرائنا الشاب بتوجهه في إطلاق العنان تحت ظل القانون و الدستور و القضاء و منح الصلاحيات المطلقة لهيئة مكافحة الفساد و جميع الأجهزة الرقابية و الأمنية المعنية بإعلان حرب لا هوادة فيها على الفساد المالي و الإداري في جميع الوزرات و المؤسسات و الشركات العامة و شبه العامة و الخاصة الكبرى و المؤسسات التطوعية – لا نستطيع أن نصفه بأنه يستهدف إنجازات هذه المؤسسات و يتجنى على قياداتها التاريخية و روادها الأوائل ، بل هو يخطو الخطوة الأولى في مسيرة نتوق إلينا جميعا نحو \\"أردن أبيض\\" نظيف من الفساد و الفاسدين و المفسدين. و خلال شهر واحد كانت ملفات الفساد المضبوطة قد فتحت في وزارة الزراعة و أمانة عمان الكبرى و المؤسسة التعاونية و شركة مصفاة البترول و شركة خاصة كبرى و في تسارع يتضح منه جليا أن قرارا سياسيا جادا قد اتخذ على هذا الصعيد و على أرفع المستويات. و قد ساءني و سرني في آن واحد ما نشر مؤخرا عن شبهة فساد بثلاثة ملايين دينار في شراء أحد مشاريع أراضي نقابة المهندسين في منطقة أم الدنانير ، ساءني ضياع هذا المبلغ الكبير من صناديق المهندسين الذين هم أحوج ما يكونون إليه في هذا الظرف الاقتصادي الحرج ، حيث بدأت دائرة البطالة تتسع – و أنا شخصيا أحد منتسبيها منذ أكثر من عام- كما سمعنا عن تسريح أعداد من العمالة و منهم مهندسون في المدينة إعلامية و إحدى القنوات التلفزيونية و شركة لتصنيع الحافلات و أحد أكبر البنوك في الأردن. و سرني التوجه الحكيم لمجلس نقابة المهندسين في تشكيل لجنة تحقيق استجابة لطلب لجنة الرأي المعتمدة من ديوان المحاسبة و الهيئة العامة للنقابة للتحقيق في شكاوى الفساد المالي و الإداري ، راجيا أن تكمل اللجنة عملها و إن بدت خيوط الشد العكسي من بعض القوى واضحة في محاولة التأثير على عمل اللجنة الذي تمثل في الانسحاب و رفض التوقيع من البعض رغم أن أغلبية الأعضاء أثبتوا شبهة الفساد بالوقائع و الشهود. و للعلم فإن هناك العديد من شبهات الفساد المالي مقدمة حاليا إلى لجنة الرأي سالفة الذكر ، و الأحاديث تدور حول مجموعة من صفقات الأراضي غير الموفقة مثل أرض النقابة في عبدون التي بيعت لسفارة عربية بنصف الثمن و خسر فيها المهندسون قرابة مليون دينار ، و كان حلوان أعضاء مجلس النقابة بضع تأشيرات لأداء فريضة الحج ، إضافة إلى أرض وادي صقرة التي عرضها من اشتراها من نقابة المهندسين للبيع مباشرة بضعف الثمن ، و غير ذلك. و هنالك أيضا صندوق القرض الحسن الذي أقر بغير سند قانوني و لا دراسة اكتوارية فأدى إلى عجز بملايين الدنانير و انتظار ألوف المهندسين أكثر من سبع سنوات لاستلام قروضهم بعد أن وعدوا باستلامها خلال عام واحد، و لا أستطيع نسيان حالة ذلك المهندس الذي جاء يرجو أحد النقباء السابقين للإفراج عن قرضه الحسن ، و ما كان من زميلنا النقيب إلا أن بادله الرجاء و الشكوى بالزجر و النهر و الصراخ بطريقة هستيرية دفعتني لإغلاق الباب ، و خفت من رد فعل المهندس الذي يحمل رتبة حكومية رفيعة فما وجدت منه غير المزيد من الرجاء و الاستجداء. و السؤال المهم : هل ستنجو نقابة المهندسين الأردنيين من سيف مكافحة الفساد؟ و كيف تنجو؟ الإجابة ببساطة هي أن تبادر إلى تشكيل لجان تحقيق بكل قضية أشير لها بشبهة فساد ، و أن تمتلك الإرادة لمحاسبة المتورطين بالفساد – إن ثبت- و تحويلهم للجهات المعنية ، و أن لا تتيح المجال لقوى الشد العكسي للتأثير على مجريات التحقيق و لجانه ، و أن تكون هذه اللجان ممثلة لمختلف ألوان الطيف الهندسي و السياسي من المعارضين قبل الموالين لتوجهات مجلس النقابة ، و أن يكون الوطن و النقابة و مصلحة المهندسين أكبر لديها من أي قائمة نقابية أو حزب سياسي أو قيادة أو شخص مهما كان منصبه سابقا أو لاحقا ،،، بهذا و هذا فقط ... يمكن أن تنجو نقابة المهندسين.