يمتاز (الاخ العقيد!) القذافي بالكثير من المواقف التي جعلته خلال اربعين سنة حاضرا ، بقوة في دائرة الضؤ في المشهد العربي ، وفي القمم اكثر ، فالقمم التي يحضرها لا بد ان يفجر فيها دائما سيناريو لطيف يستوجب ان يجعله في قائمة العناوين العريضة في التغطية الاعلامية للقمة ، وحتى القمم التي يغيب عنها يكون هو كذلك العنوان الرئيس للقمة..!
وكانت اكبر السيناريوهات التي رسمتها للقمة الحالية التي تستضيفها ليبيا لاول مرة في حياتها ، وباعتبار ان القذافي سيكون (شيخ المضيفين ) وملك (ملوك افريقيا والعرب !) ، فمن غير اللائق ان يفجر الاخ العقيد القمة بوجه اي زعيم اخر ، كعادته ، وهو صاحب ديوان العرب اليوم ، فكانت اقرب السيناريوهات للبقاء على حضوره الطاغي في القمة هذه ان يغيب عنها..!
خيب املي ، الاخ العقيد ، وهو يستقبل القادة العرب في المطار ، في نمط تقليدي يتجه لجعلها كاي قمة اخرى ،ولا اعرف باي اتجاه سيفجر العقيد القمة ليكون زعيما في دائرة عناوين (الغلاف!)..!
-2-
غابت اكثر القمم العربية من ذاكرة العرب ، ولسنا بصدد الحديث عن ذلك فالحال يغني عن (البيان) ، لكن المواقف الوحيدة التي لم تغب عن ذاكرتنا للقمم العربية مجتمعة ، هي حصة الاخ العقيد ، غاب او حضر ، في قمة القاهرة التي تلت احتلال الكويت وكانت مصر عائدة حديثا للسرب العربي بعد اكثر من عشر سنوات من اتفاقية كامب ديفيد ، كان القذافي يصرخ بوجه الشاذلي القليبي ، عندما اصرّ الرئيس مبارك على تمرير قرار استخدام القوة ، وهو قرار غير قانوني ، باعتبار ان قرارات القمم العربية بالاجماع ، وكان هناك تسع دول عربية تعارض القرار ، كان القذافي يصرخ بوجه الشاذلي قائلا :\" هذا عمره ما حضر قمم..ويش يعرف بالقوانين..\" ،اما عندما امطره الامير عبدالله بن عبدالعزيز برد صارخ ، وهو يسهب في شرح ما جرى باستخدام القوة ضد العراق في قمة متأخره ، تظاهر الاخ العقيد بانه لم يسمع شيئا ، وقال مخاطبا امير قطر :\" ويش يقول الامير يا حمد..!\"
-3-
القذافي ، الذي خرج ذات مرة على القمة العربية بمصطلح \" اسراطين\" ، وهو الذي صار (بعبعا ) يؤرق اسرائيل بعد ذلك ، عندما بدأ الديمغرافيون الاسرائليون يحسبون ذوبان الدولة العبرية في العربية خلال نصف قرن بالكثير ، بين الخصوبة العربية الطاغية والعزوف عن الانجاب لدى اليهود ، صارت عبارة القذافي مصدر دراسات بعد ان اسقطت كلمة القذافي (اسراطين) لتحل محلها مسميات اخرى بذات السياق ، وصارت عبارات القذافي بعد ذلك هي مصدر الهام لاكثر السياسيين العرب الذين يبحثون عن الشعبية العامة ، فهو اول من دعى (متهكما) الى تسول العرب السلام من قادة العالم ، وعاد واستخدم العبارة الكثير من السياسيين العرب ، استخدمها مرات عديدة رئيس وزراء قطر بكلمات متطابقة ، واستخدمها الشيخ عبداالله بن زايد وزير خارجية الامارات بصورة متطابقة بعد ذلك ، وظلت كلماته في قمة دمشق عندما تحدث عن شنق الرئيس صدام حسين ، وكيف سياتي يوم على امريكا تشنق فيه كل الزعماء العرب ، على غرار (اكلت يوم اكل الثور الابيض !) ظلت كلماته هذه محور اقتباسات كثيرة نسمعها كل يوم ما بين الجزيرة والعربية ، ومن حناجر السياسيين في كل مكان..!
-4-
(الاخ العقيد )، نجح في اول تجاربه الدولية في تسويق الضربة الامريكية لطرابلس وبنغازي عام 86 ، وتناقلها الاعلام الدولي على انها نموذج للبلطجة الامريكية في العالم ، ولا شك ان القذافي كان سعيدا جدا لان خصمه الرئيس (المرحوم!) رونالد ريغان وصفه في مذكراته بعد ذلك \" بالرئيس المجنون!\" ، احسن القذافي ادارة قضية لوكربي وافرج عن ابناء وطنه بالتعويض الذي اعتبر اعترافا ضمنيا ، لاهالي نحو 259 ضحية في الطائرة المنكوبة ، واضاف فوقهم 11 ضحية اخرى من اهالي القرية حيث سقطت الطائرة ، فيما نجح اكثر في اعادة علاقاته مع الغرب –كل الغرب- واصبح يتنقل بين العواصم ويستقبل قادتهم ، دون ادنى حرج من رئيس كان ينظر اليه في عهد قريب انه احد اهم دعاة الثورات الانفصالية والارهابية في ادنى العالم واقصاه ، نجح القذافي في الابقاء على شعرة معاوية بينه وبين قادة العرب رغم كل التناقضات التي رافقت هذه العلاقات ، جعلت من الشيخ المتسامح صباح الاحمد الصباح امير دولة الكويت ان يكون من اوائل الواصلين الى قمة سرت ، لكنه ولسبب هو يعلمه جيدا يرفض الخوض في قضية (موسى الصدر) ولو اراد ذلك لانهى القضية في اسبوع واحد لا اكثر من اسابيع القذافي الساخنة ، واضح انه لا يريد ذلك ، ولو اراد لفعل فلا القذافي الذي ادار قضية بحجم لوكربي بعاجز عن حلها لو ارد ، ولعلها تكون ذات يوم مفاجأة اخرى لقمة اخرى..!
-5-
استطاع (الاخ العقيد ) ان يسجل لليبيا الكثير من الخصائص المتفردة عالميا ، والتي هي اقرب ما تكون الى نمط شخصية الرئيس ، فالعلم الليبي هو العلم الوحيد المتفرد بلون واحد فوق ناصية الامم المتحدة باللون الاخضر ، الذي لا يكلف الليبين جهدا ان يرفعوه في اي مكان بالعالم سوى قطعة قماش خضراء ، تغلب على اكثر ملابسهم العامة ، فيما اختار للدولة الاسم الاطول في العالم كذلك :\" الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى \" ،وابقى على دولة نفطية حضورها السياسي ،حيث غلب على اكثر دول الاوبك الحضور الاقتصادي ، فيما كانت ليبيا دولة حاضرة في السياسة ، ولا يتم الحديث كثيرا ق في سياق التطور الاقتصادي الذي تشهده الدول النفطية ، رغم الاهمية الاقتصادية للدولة اللبيبة فهي من الدول المصدرة للنفط والغاز وهي الاطول على شاطئ المتوسط ، ناهيك عن عدد سكانها البلغ ستة ملايين نسمة و المحدود جدا مقارنة بمساحتها وثرواتها ومكانتها ..!
-6-
لو فعلها القذافي اليوم وغاب عن قمة سرت لكان هو القذافي الذي نعرف ، لكنه لم يفعلها وابقى على مفاجآت اخرى لا نعلمها..!