لو حاولنا مقاربة المقاطعة الاخوانية لوجدنا أن أسبابها ودوافعها تتوزع على مايلي:
أولا: الإخوان صعدوا على شجرة الحرب المفتوحة على "قانون الصوت الواحد "،و تفرغوا خلال عقد ونيف للتصدي لهذا القانون،وقاطعوا الانتخابات سابقا بسببه،ولم تعد أمام الاخوان من قضية تشغل بالهم كقضية الصوت الواحد، وفي كل يوم كان الاخوان يرتفعون صعودا على أعالي هذه الشجرة ،حتى بات النزول عنها صعب المنال .
ثانيا : وحدة الصف الاخواني في ظني أنها أهم عند مشايخنا من وحدة الصف الوطني ،والانقسام الحاد على أسس شخصية وفكرية وسياسية داخل الصف الاخواني لم تعد خافية على أحد،وكلما خلقت الجماعة جبهة مضادة للموقف الرسمي كلما سهل ذلك عليها محاصرة الخلافات الداخلية ،وأسهم في تصريف الطاقات الاخوانية في خنادق الصمود والتصدي . وعقلاء الاخوان يدركون أن الانخراط في عمل سياسي جماهيري مفتوح ،كالعملية الانتخابية ،سيفتح على الجماعة أبواب الشيطان ،وستغرق في صراعات لا نهاية لها في تحديد أسماء المرشحين ،ومعاقبة الخارجين على القرار،وفي بلورة خطاب عقلاني برامجي وطني شامل قادر على معالجة القضايا والملفات الوطنية الشائكة،ومن ثم تحديد أسماء الوزراء ،بعد حسم الموقف من القرار الاخواني السابق بحرمة المشاركة في حكومة لا تطبق الشريعة !
ثالثا: تعجبني صراحة الدكتور رحيل غرايبه عندما أعلن بأن المقاطعة الاخوانية في هذه المرة مختلفة في دوافعها وأسبابها،إذ يقول:" المقاطعة هذه المرة شيءٌ آخر، فهي ليست احتجاجاً على عدد المقاعد البرلمانية التي سوف تحصل عليها في الانتخابات مطلقاً، وليست اعتراضاً على قانون الانتخاب فقط، وليست مترتبة على الخوف من تزوير الانتخابات، ،،، وإنّما جاءت المقاطعة في هذه المرحلة لتنتقل بالجماهير من حالة الاعتراض إلى حالة البناء ضمن رؤية سياسية واضحة " إذا فالإخوان دخلوا عصر "الجماهير"وشهيتهم مفتوحة ،ولماذا لا يتم التهام الكعكة كلها إن أمكن . وهكذا نكون أمام رغبة جارفة لإحداث تغيير شامل بلبوس إصلاحي . فالمشروع الاخواني اليوم يتضمن مشروع الملكية الدستورية كاملا غير منقوص، ،وإجراء تعديلات دستوريه ، وتفصيل قانون انتخابات قائم على أساس الكثافة السكانية (كما أعلنت حركة 24آذار على دوار الداخلية في بيانها الأول الذي تلاه أحد قيادات القطاع الشبابي الاخواني) ، وتشكيل الحكومات من الأغلبية البرلمانية الناتجة عن قانون الكثافة السكانية ، ويأتي هذا مترافقا مع رفض قرار فك الارتباط ،وفي ظل تبني كل المطالب المغلفة بالعدالة وحقوق الانسان لإعادة رسم البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأردنية بشكل جذري .
رابعا : شكل دخول الاخوان عصر الجماهير دافعا لتغيير الاسلوب الاخواني النخبوي ،القائم على أدبيات المفاصلة الشعورية ،والقطيعة مع التيارات الشعبويه "الدهماء" والمفاصلة مع الاحزاب والتيارات الفكرية اليسارية والقومية والوطنية،ولعل دروس الثورتين التونسية والمصرية تدفعان الاخوان إلى الالتصاق بالشارع، والتغطي بمظلة العشائر ،والاختفاء خلف عناوين حراكية متعددة بعضها وهمي لا تأثير حقيقي له في الشارع،فطبيعة اللحظة الاخوانية دفعت فصيلا إخوانيا لإنتاج حراكات ،والتحالف مع أخرى ،وتوظيفها،والاستقواء بها ،دون النظر إلى خطورة ارتهان الجماعة بتاريخها ومصالحها بحركة الحراكات !
خامسا:باتت عيون الاخوان مفتوحة ليل نهار على تطورات المشهد الاقليمي ، وانتظاراتهم لتحولات المنطقة ،ولا سيما الوضع السوري مفصلية في تحديد حركتهم على الساحة الاردنية ، فكل تقدم تحرزه الجماعة على الساحات الاخرى يقدم أوراقا جديدة يمكن توظيفها في إعادة رسم المشهد الأردني .